الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } * { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً }

مكية وهي إحدى وثلاثون آية

{ هَلْ أَتَىٰ } قد مضى { عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ } آدم عليه السلام { حِينٌ مّنَ ٱلدَّهْرِ } أربعون سنة مصوراً قبل نفخ الروح فيه { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } لم يذكر اسمه ولم يدر ما يراد به لأنه كان طيناً يمر به الزمان ولو غير موجود لم يوصف بأنه قد أتى عليه حين من الدهر. ومحل { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } النصب على الحال من الإنسان أي أتى عليه حين من الدهر غير مذكور { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ } أي ولد آدم، وقيل الأول ولد آدم أيضاً و { حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } على هذا مدة لبثه في بطن أمه إلى أن صار شيئاً مذكوراً بين الناس { مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } نعت أو بدل منها أي من نطفة قد امتزج فيها الماآن. ومشجه ومزجه بمعنى و { نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } كبرمة أعشار فهو لفظ مفرد غير جمع ولذا وقع صفة للمفرد { نَّبْتَلِيهِ } حال أي خلقناه مبتلين أي مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له { فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً } ذا سمع وبصر.

{ إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ } بيّنا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع { إِمَّا شَاكِراً } مؤمناً { وَإِمَّا كَفُوراً } كافراً حالان من الهاء في { هَدَيْنَـٰهُ } أي إن شكر وكفر فقد هديناه السبيل في الحالين أو من السبيل أي عرّفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وأما سبيلاً كفوراً. ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز. ولما ذكر الفريقين أتبعهما ما أعد لهما فقال { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَلَٰسِلاَ } جمع سلسلة بغير تنوين: حفص ومكي وأبو عمرو وحمزة، وبه ليناسب { أَغْلَـٰلاً وَسَعِيراً } إذ يجوز صرف غير المنصرف للتناسب: غيرهم { وَأَغْلَـٰلاً } جمع غُلٍّ { وَسَعِيراً } ناراً موقدة. وقال { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ } جمع بر أو بار كرب وأرباب وشاهد وأشهاد وهم الصادقون في الإيمان أو الذين لا يؤذون الذرّ ولا يضمرون الشر { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } خمر فنفس الخمر تسمى كأساً. وقيل: الكأس الزجاجة إذا كان فيها خمر { كَانَ مِزَاجُهَا } ما تمزج به { كَـٰفُوراً } ماء كافور وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده { عَيْناً } بدل منه { يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } أي منها أو الباء زائدة أو هو محمول على المعنى أي يلتذ بها أو يروي بها. وإنما قال أولاً بحرف «من» وثانياً بحرف الباء لأن الكأس مبتدأ شربهم وأول غايته، وأما العين فيها يمزجون شرابهم فكأنه قيل: يشرب عباد الله بها الخمر { يُفَجّرُونَهَا } يجرونها حيث شاءوا من منازلهم { تَفْجِيرًا } سهلاً لا يمتنع عليهم.

{ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } بما أوجبوا على أنفسهم، وهو جواب «من» عسى أن يقول: ما لهم يرزقون ذلك؟ والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفّى بما أوجبه على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى { وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ } شدائده { مُسْتَطِيراً } منتشراً من استطار الفجر { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } أي حب الطعام من الاشتهاء والحاجة إليه أو على حب الله { مِسْكِيناً } فقيراً عاجزاً عن الاكتساب { وَيَتِيماً } صغيراً لا أب له { وَأَسِيراً } مأسوراً مملوكاً أو غيره.

السابقالتالي
2 3