الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } * { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } * { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } * { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدٰنٌ } غلمان ينشئهم الله لخدمة المؤمنين، أو ولدان الكفرة يجعلهم الله تعالى خدماً لأهل الجنة { مُّخَلَّدُونَ } لا يموتون { إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ } لحسنهم وصفاء ألوانهم وانبثاثهم في مجالسهم { لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } وتخصيص المنثور لأنه أزين في النظر من المنظوم { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ } ظرف أي في الجنة وليس لـ { رَأَيْت } مفعول ظاهر ولا مقدر ليشيع في كل مرئي تقديره وإذا اكتسبت الرؤية في الجنة { رَأَيْتَ نَعِيماً } كثيراً { وَمُلْكاً كَبِيراً } واسعاً. يروى أن أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه. وقيل: ملك لا يعقبه هلك، أو لهم فيها ما يشاؤون أو تسلم عليهم الملائكة ويستأذنون في الدخول عليهم { عَـٰلِيَهُمْ } بالنصب على أنه حال من الضمير في { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } أي يطوف عليهم ولدان عالياً للمطوف عليهم ثياب. وبالسكون: مدني وحمزة على أنه مبتدأ خبره { ثِيَابُ سُندُسٍ } أي ما يعلوهم من ملابسهم ثياب سندس رقيق الديباج.

{ خُضْرٌ } جمع أخضر { وَإِسْتَبْرَقٌ } غليظ يرفعهما حملاً على الثياب: نافع وحفص، وبجرهما: حمزة وعلي حملاً على { سُندُسٍ } وبرفع الأول وجر الثاني أو عكسه: غيرهم { وَحُلُّواْ } عطف على { وَيَطُوفُ } { أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } وفي سورة «الملائكة»:يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } [الحج: 23]. قال ابن المسيب: لا أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة: واحدة من فضة وأخرى من ذهب وأخرى من لؤلؤ. { وَسَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } أضيف إليه تعالى للتشريف والتخصيص. وقيل: إن الملائكة يعرضون عليهم الشراب فيأبون قبوله منهم ويقولون: لقد طال أخذنا من الوسائط فإذا هم بكاسات تلاقي أفواههم بغير أكف من غيب إلى عبد { شَرَاباً طَهُوراً } ليس برجس كخمر الدنيا لأن كونها رجساً بالشرع لا بالعقل ولا تكليف ثم، أو لأنه لم يعصر فتمسه الأيدي الوضرة وتدوسه الأقدام الدنسة يقال لأهل الجنة { إِنَّ هَذَا } النعيم { كَانَ لَكُمْ جَزَاءً } لأعمالكم { وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } محموداً مقبولاً مرضياً عندنا حيث قلتم للمسكين واليتيم والأسير لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً.

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ تَنزِيلاً } تكرير الضمير بعد إيقاعه اسماً لإن تأكيد على تأكيد لمعنى اختصاص الله بالتنزيل ليستقر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان هو المنزل لم يكن تنزيله مفرقاً إلا حكمة وصواباً ومن الحكمة الأمر بالمصابرة { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } عليك بتبليغ الرسالة واحتمال الأذية وتأخير نصرتك على أعدائك من أهل مكة { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ } من الكفرة للضجر من تأخير الظفر { ءَاثِماً } راكباً لما هوى إثم داعياً لك إليه { أَوْ كَفُوراً } فاعلاً لما هو كفر داعياً لك إليه، لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل ما هو إثم أو كفر أو غير إثم ولا كفر، فنهى أن يساعدهم على الأولين دون الثالث.

السابقالتالي
2