الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } * { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } * { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } * { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } * { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً }

{ قُلْ } يا محمد لأمتك { أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ } أن الأمر والشأن. أجمعوا على فتح { أَنَّهُ } لأنه فاعل { أَوْحَىٰ } و { أَن لَّوْ ٱسْتَقَـٰمُواْ } و { أَن ٱلْمَسَـٰجد } للعطف على { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } فـ «أن» مخفقة من الثقيلة و { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ } لتعدي { يَعْلَمْ } إليها، وعلى كسر ما بعد فاء الجزاء وبعد القول نحو { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } { وَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا } لأنه مبتدأ محكي بعد القول، واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من { أَنَّهُ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبّنَا } إلى { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } ففتحها شامي وكوفي غير أبي بكر عطفاً على { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } أو على محل الجار والمجرور في { آمَنا بِهِ } تقديره: صدقناه وصدقنا { أَنَّهُ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبّنَا } { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } إلى آخرها، وكسرها غيرهم عطفاً على { إِنَّا سَمِعْنَا } وهم يقفون على آخر الآيات { ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ } جماعة من الثلاثة إلى العشرة { مّن ٱلْجِنّ } جن نصيبين { فَقَالُواْ } لقومهم حين رجعوا إليهم من استماع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانَاً عَجَباً } عجيباً بديعاً مبايناً لسائر الكتب في حسن نظمه وصحة معانيه. والعجب ما يكون خارجاً عن العادة، وهو مصدر وضع موضع العجيب { يَهْدِى إِلَى ٱلرُّشْدِ } يدعوا إلى الصواب أو إلى التوحيد والإيمان { فَآمَنا بِهِ } بالقرآن. ولما كان الإيمان به إيماناً بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك قالوا { وَلَن نُّشرِكَ بِرَبّنَا أَحَداً } من خلقه، وجاز أن يكون الضمير في { بِهِ } لله تعالى لأن قوله { بِرَبّنَا } يفسره.

{ وَأَنَّهُ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبّنَا } عظمته. يقال: جد فلان في عيني أي عظم، ومنه قول عمر أو أنس: كان الرجل إذ قرأ البقرة وآل عمران جد فينا أي عظم في عيوننا { مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةٌ } زوجة { وَلاَ وَلَداً } كما يقول كفار الجن والإنس { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } جاهلنا أو إبليس إذ ليس فوقه سفيه { عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } كفراً لبعده عن الصواب من شطت الدار أي بعدت، أو قولاً يجوز فيه عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد إليه، والشطط مجاوزة الحد في الظلم وغيره { وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } قولاً كذباً، أو مكذوباً فيه، أو نصب على المصدر إذ الكذب نوع من القول أي كان في ظننا أن أحداً لن يكذب على الله بنسبة الصاحبة والولد إليه فكنا نصدقهم فيما أضافوا إليه حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم؛ كان الرجل من العرب إذا نزل بمخوف من الأرض قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يريد كبير الجن فقال { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ ٱلْجِنّ فَزَادوهُمْ } أي زاد الإنس الجن باستعاذتهم بهم { رَهَقاً } طغياناً وسفهاً وكبراً بأن قالوا: سدنا الجن الإنس أو فزاد الجن الإنس رهقاً إثماً لاستعاذتهم بهم، وأصل الرهق غشيان المحظور { وَأَنَّهُمْ } وأن الجن { ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ } يا أهل مكة { أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } بعد الموت أي أن الجن كانوا ينكرون البعث كإنكاركم، ثم بسماع القرآن اهتدوا وأقروا بالبعث فهلا أقررتم كما أقروا.

السابقالتالي
2