{ فَدَلَّـٰهُمَا } فنزلهما إلى الأكل من الشجرة { بِغُرُورٍ } بما غرهما به من القسم بالله وإنما يخدع المؤمن بالله. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: من خدعنا بالله انخدعنا له { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ } وجدا طعمها آخذين في الأكل منها وهي السنبلة أو الكرم { بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا } ظهرت لهما عوراتهما لتهافت اللباس عنهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر. وقيل: كان لباسهما من جنس الأظفار أي كالظفر بياضاً في غاية اللطف واللين فبقي عند الأظفار تذكيراً للنعم وتجديداً للندم { وَطَفِقَا } وجعلا يقال طفق يفعل كذا أي جعل { يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } يجعلان على عورتهما من ورق التين أو الموز ورقة فوق ورقة ليستترا بها كما تخصف النعل. { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } هذا عتاب من الله وتنبيه على الخطأ. وروي أنه قال لآدم عليه السلام: ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة؟ فقال: بلى ولكن ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا بكد يمين وعرق جبين، فأهبط وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذرى وطحن وعجن وخبز { وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } فيه دليل لنا على المعتزلة لأن الصغائر عندهم مغفورة { قَالَ ٱهْبِطُواْ } الخطاب لآدم وحواء بلفظ الجمع لأن إبليس هبط من قبل، ويحتمل أنه هبط إلى السماء ثم هبطوا جميعاً إلى الأرض { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } في موضع الحال أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه { وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } استقرار أو موضع استقرار { وَمَتَـٰعٌ } وانتفاع بعيش { إِلَىٰ حِينٍ } إلى انقضاء آجالكم. وعن ثابت البناني: لما أهبط آدم عليه السلام وحضرته الوفاة وأحاطت به الملائكة فجعلت حواء تدور حولهم فقال لها: خلي ملائكة ربي فإنما أصابني ما أصابني فيك. فلما توفي غسلته الملائكة بماء وسدر وتراً وحنطته وكفنته في وتر من الثياب وحفروا له قبراً ودفنوه بسرنديب بأرض الهند وقالوا لبنيه: هذه سنتكم بعده { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ } في الأرض { وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } للثواب والعقاب { تُخْرَجُونَ } حمزة وعلي { يابَنِي ءادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } جعل ما في الأرض منزلاً من السماء لأن أصله من الماء وهو منها { يُوٰرِى سَوْءاتِكُمْ } يستر عوراتكم { وَرِيشًا } لباس الزينة استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته أي أنزلنا عليكم لباسين: لباساً يواري سوءاتكم ولباساً يزينكم { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } ولباس الورع الذي يقي العقاب وهو مبتدأ وخبره الجملة وهي { ذٰلِكَ خَيْرٌ } كأنه قيل: ولباس التقوى هو خير لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر، أو { ذٰلِكَ } صفة للمبتدأ و { خَيْرٌ } خبر المبتدأ كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير، أو { لِبَاسَ ٱلتَّقْوَىٰ } خبر مبتدأ محذوف أي وهو لباس التقوى أي ستر العورة لباس المتقين، ثم قال { ذٰلِكَ خَيْرٌ } وقيل: ولباس أهل التقوى من الصوف والخشن.