الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } * { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } * { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } * { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

{ قال ربّ اغفر لي ولأخي } ليرضي أخاه وينفي الشماتة عنه بإشراكه معه في الدعاء، والمعنى اغفر لي ما فرط مني في حق أخي ولأخي إن كان فرط في حسن الخلافة { وأدخلنا في رحمتك } عصمتك في الدنيا وجنتك في الآخرة { وأنت أرحم الراحمين إنّ الّذين اتّخذوا العجل } إلهاً { سينالهم غضبٌ مّن رّبّهم } هو ما أمروا به من قتل أنفسهم توبة { وذلّةٌ في الحيوٰة الدّنيا } خروجهم من ديارهم فالغربة تذل الأعناق أو ضرب الجزية عليهم { وكذلك نجزي المفترين } الكاذبين على الله ولا فرية أعظم من قول السامري «هذا إلهكم وإله موسى» { والّذين عملوا السّيّئات } من الكفر والمعاصي { ثم تابوا } رجعوا إلى الله { من بعدها وءامنوآ } وأخلصوا الإيمان { إنّ ربّك من بعدها } أي السيئات أو التوبة { لغفورٌ } لستور عليهم محاء لما كان منهم { رّحيمٌ } منعم عليهم بالجنة. و «إن» مع اسمها وخبرها خبر { الذين } وهذا حكم عام يدخل تحته متخذو العجل وغيرهم عظم جنايتهم أولاً، ثم أردفها بعظم رحمته ليعلم أن الذنوب وإن عظمت فعفوه أعظم. ولما كان الغضب لشدته كأنه هو الآمر لموسى بما فعل قيل:

{ ولمّا سكت عن مّوسى الغضب } وقال الزجاج: معناه سكن وقريء به { أخذ الألواح } التي ألقاها { وفي نسختها } وفيما نسخ منها أي كتب فعلة بمعنى مفعول كالخطبة { هدًى وّرحمةٌ لّلّذين هم لربّهم يرهبون } دخلت اللام لتقدم المفعول وضعف عمل الفعل فيه باعتباره { واختار موسى قومه } أي من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل { سبعين رجلاً } قيل: اختار من اثني عشر سبطاً من كل سبط ستة فبلغوا اثنين وسبعين رجلاً فقال: ليتخلف منكم رجلان فقعد كالب ويوشع { لّميقاتنا } لاعتذارهم عن عبادة العجل { فلمّآ أخذتهم الرّجفة } الزلزلة الشديدة { قال ربّ لو شئت أهلكتهم مّن قبل } بما كان منهم من عبادة العجل { وإيّاى } لقتلي القبطي { أتهلكنا بما فعل السّفهآء منّا } أتهلكنا عقوبة بما فعل الجهال منا وهم أصحاب العجل { إن هي إلاّ فتنتك } ابتلاؤك وهو راجع إلى قولهفإنا قد فتنا قومك من بعدك } [طه: 85] فقال موسى: هي تلك الفتنة التي أخبرتني بها أو هي ابتلاء الله تعالى عباده بما شاء،ونبلوكم بالشر والخير فتنة } [الأنبياء: 35] { تضلّ بها } بالفتنة { من تشآء } من علمت منهم اختيار الضلالة { وتهدي } بها { من تشآء } من علمت منهم اختيار الهدى { أنت وليّنا } مولانا القائم بأمورنا { فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا } وأثبت لنا واقسم { في هذٰه الدّنيا حسنةً } عاقبة وحياة طيبة وتوفيقا في الطاعة { وفي الآخرة } الجنة { إنّا هدنآ إليك } تبنا إليك وهاد إليه يهود إذا رجع وتاب والهود جمع هائد وهو التائب.

{ قال عذابي } من صفته أني { أصيب به من أشآء } أي لا أعفو عنه { ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ } أي من صفة رحمتي أنها واسعة تبلغ كل شيء، ما من مسلم ولا كافر إلا وعليه أثر رحمتي في الدنيا { فسأكتبها } أي هذه الرحمة { للّذين يتّقون } الشرك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم { ويؤتون الزّكوٰة } المفروضة { والّذين هم بآياتنا } بجميع كتبنا { يؤمنون } لا يكفرون بشيء منها { الّذين يتّبعون الرّسول } الذي نوحي إليه كتاباً مختصاً به وهو القرآن { النّبيّ } صاحب المعجزات { الأمّيّ الّذي يجدونه } أي يجد نعته أولئك الذين يتبعونه من بني إسرائيل { مكتوباً عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف } بخلع الأنداد وإنصاف العباد { وينهاهم عن المنكر } عبادة الأصنام وقطيعة الأرحام { ويحلّ لهم الطّيّبات } ما حرم عليهم من الأشياء الطيبة كالشحوم وغيرها، أو ما طاب في الشريعة مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح وما خلا كسبه من السحت { ويحرّم عليهم الخبائث } ما يستخبث كالدم والميتة ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، أو ما خبث في الحكم كالربا والرشوة ونحوهما من المكاسب الخبيثة { ويضع عنهم إصرهم } هو الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه عن الحراك لثقله، والمراد التكاليف الصعبة كقتل النفس في توبتهم وقطع الأعضاء الخاطئة.

السابقالتالي
2 3