الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } * { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }

{ قَالَ ٱلْمَلأَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } أي ليكونن أحد الأمرين إما إخراجكم وإما عودكم في الكفر { قَالَ } شعيب { أَوَلَوْ كُنَّا كَـٰرِهِينَ } الهمزة للاستفهام والواو للحال تقديره أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا ومع كوننا كارهين قالوا: نعم. ثم قال شعيب { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ } وهو قسم على تقدير حذف اللام أي والله لقد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا } خلصنا الله. فإن قلت: كيف قال شعيب { إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ } والكفر على الأنبياء عليهم السلام محال؟ قلت: أراد عود قومه إلا أنه يضم نفسه في جملتهم وإن كان بريئاً من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب { وَمَا يَكُونُ لَنَا } وما ينبغي لنا وما يصح { أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء ٱللَّهُ رَبُّنَا } إلا أن يكون سبق في مشيئته أن نعود فيها إذ الكائنات كلها بمشيئة الله تعالى خيرها وشرها { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا } تمييز أي هو عالم بكل شيء فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحول وقلوبهم كيف تتقلب { عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } في أن يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقّ } أي الحكم والفتاحة الحكومة والقضاء بالحق بفتح الأمر المغلق فلذا سمي فتحاً، ويسمي أهل عمان القاضي فتاحاً { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَـٰتِحِينَ } كقولهوَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } { وَقَالَ ٱلْمَلأَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَـٰسِرُونَ } مغبونون لفوات فوائد البخس والتطفيف باتباعه لأنه ينهاكم عنهما ويحملكم على الإيفاء والتسوية. وجواب القسم الذي وطأته اللام في { لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ } وجواب الشرط { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَـٰسِرُونَ } فهو ساد مسد الجوابين { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } الزلزلة { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } ميتين { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا } مبتدأ خبره { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } لم يقيموا فيها. غني بالمكان أقام { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا } مبتدأ خبره { كَانُواْ هُمُ ٱلْخَـٰسِرِينَ } لا من قالوا لهم إنكم إذاً لخاسرون وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قيل: الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بأن أهلكوا كأن لم يقيموا في دارهم، لأن الذين اتبعوا شعيباً قد أنجاهم الله، الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أتباعه فهم الرابحون، وفي التكرار مبالغة واستعظام لتكذيبهم ولما جرى عليهم.

{ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } بعد أن نزل بهم العذاب { وَقَالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءاسَىٰ } أحزن { عَلَىٰ قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ } اشتد حزنه على قومه، ثم أنكر على نفسه فقال: كيف يشتد حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم، أو أراد لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والتحذير مما حل بكم فلم تصدقوني فكيف آسى عليكم { وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ } يقال لكل مدينة قرية، وفيه حذف أي فكذبوه { إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَاء } بالبؤس والفقر { وَٱلضَّرَّاء } الضر والمرض لاستكبارهم عن اتباع نبيهم، أو هما نقصان النفس والمال { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ } أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء، والمحنة: الرخاء والسعة والصحة { حَتَّىٰ عَفَواْ } كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم «عفا النباب» إذا كثر، ومنه قوله عليه السلام

السابقالتالي
2 3