الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } * { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } * { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } * { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } * { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } * { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } * { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } * { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } * { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } * { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } * { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } * { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } * { وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } * { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } * { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } * { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } * { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } * { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

{ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً } أكلاً هنيئاً لا مكروه فيهما ولا أذى أو هنئتم هنيئاً على المصدر { بِمَا أَسْلَفْتُمْ } بما قدمتم من الأعمال الصالحة { فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } الماضية من أيام الدنيا. وعن ابن عباس: هي في الصائمين أي كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله.

{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ } لما يرى فيها من الفضائح { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } أي يا ليتني لم أعلم ما حسابي { يٰلَيْتَهَا } يا ليت الموتة التي متها { كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } أي القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ولم ألق ما ألقي { مَا أَغْنَىٰ عَنِّى مَالِيَهْ } أي لم ينفعني ما جمعته في الدنيا، فـ «ما» نفي والمفعول محذوف أي شيئاً { هَلَكَ عَنّى سُلْطَـٰنِيَهْ } ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيراً ذليلاً. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ضلت عني حجتي أي بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا فيقول الله تعالى لخزنة جهنم { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } أي اجمعوا يديه إلى عنقه { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } أي أدخلوه يعني ثم لا تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظمى، أو نصب { ٱلْجَحِيمِ } بفعل يفسره { صَلُّوهُ } { ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا } طولها { سَبْعُونَ ذِرَاعاً } بذراع الملك. عن ابن جريج: وقيل لا يعرف قدرها إلا الله { فَاْسْلُكُوهُ } فأدخلوه. والمعنى في تقدم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية.

{ إِنَّهُ } تعليل كأنه قيل: ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بأنه { كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } على بذل طعام المسكين، وفيه إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث لأن الناس لا يطلبون من المساكين الجزاء فيما يطعمونهم وإنما يطعمونهم لوجه الله ورجاء الثواب في الآخرة، فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم أي أنه مع كفره لا يحرّض غيره على إطعام المحتاجين، وفيه دليل قوي على عظم جرم حرمان المسكين لأنه عطفه على الكفر وجعله دليلاً عليه وقرينة له، ولأنه ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض إذا كان بهذه المنزلة فتارك الفعل أحق. وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ويقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان فلنخلع نصفها بهذا. وهذه الآيات ناطقة على أن المؤمنين يرحمون جميعاً، والكافرين لا يرحمون لأنه قسّم الخلق نصفين فجعل صنفاً منهم أهل اليمين ووصفهم بالإيمان فحسب بقوله { إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ } وصنفاً منهم أهل الشمال ووصفهم بالكفر بقوله { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } وجاز أن الذي يعاقب من المؤمنين إنما يعاقب قبل أن يؤتى كتابه بيمينه { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَـٰهُنَا حَمِيمٌ } قريب يرفع عنه ويحترق له قلبه { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } غسالة أهل النار، فعلين من الغسل، والنون زائدة وأريد به هنا ما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَـٰطِئُونَ } الكافرون أصحاب الخطايا وخطىء الرجل إذا تعمد الذنب.

السابقالتالي
2