الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

{ فَذَرْنِى }. يقال: ذرني وإياه أي كله إليّ فإني أكفيكه { وَمَن يُكَذِّبُ } معطوف على المفعول أو مفعول معه { بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } بالقرآن، والمراد كل أمره إليَّ وخل بيني وبينه فإني عالم بما ينبغي أن يفعل به، مطيق له، ولا تشغل قلبك بشأنه وتوكل عليّ في الانتقام منه، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد للمكذبين { سَنَسْتَدْرِجُهُم } سندنيهم من العذاب درجة درجة. يقال: استدرجه إلى كذا أي استنزله إليه درجة فدرجة حتى يورطه فيه، واستدراج الله تعالى العصاة أن يرزقهم الصحة والنعمة فيجعلون رزق الله ذريعة إلى ازياد المعاصي { مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج. قيل: كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم شكرها. قال عليه السلام " إذا رأيت الله تعالى ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج وتلا الآية " { وَأُمْلِى لَهُمْ } وأمهلهم { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } قوي شديد فسمى إحسانه وتمكينه كيداً كما سماه استدراجاً لكونه في صورة الكيد حيث كان سبباً للهلاك. والأصل أن معنى الكيد والمكر والاستدراج هو الأخذ من جهة الأمن، ولا يجوز أن يسمى الله كائداً وماكراً ومستدرجاً.

{ أَمْ تَسْـئَلُهُمْ } على تبليغ الرسالة { أَجْراً فَهُم مّن مَّغْرَمٍ } غرامة { مُّثْقَلُونَ } فلا يؤمنون استفهام بمعنى النفي أي لست تطلب أجراً على تبليغ الوحي فيثقل عليهم ذلك فيمتنعوا لذلك { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } أي اللوح المحفوظ عند الجمهور { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } منه ما يحكمون به { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم لأنهم وإن أمهلوا لم يهملوا { وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلْحُوتِ } كيونس عليه السلام في العجلة والغضب على القوم حتى لا تبتلى ببلائه. والوقف على الحوت لأن «إذ» ليس بظرف لما تقدمه، إذ النداء طاعة فلا ينهى عنه بل مفعول محذوف أي اذكر { إِذْ نَادَىٰ } دعا ربه في بطن الحوت بـلاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [الأنبياء: 87] { وَهُوَ مَكْظُومٌ } مملوء غيظاً من كظم السقاء إذا { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ } رحمة { مّن رَّبِّهِ } أي لولا أن الله أنعم عليه بإجابة دعائه وقبول عذره { لَنُبِذَ } من بطن الحوت { بِٱلْعَرَآءِ } بالفضاء { وَهُوَ مَذْمُومٌ } معاتب بزلته لكنه رحم فنبذ غير مذموم { فَٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ } اصطفاه لدعائه وعذره { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } من المستكملين لصفات الصلاح ولم يبق له زلة. وقيل: من الأنبياء. وقيل: من المرسلين. والوجه هو الأول لأنه كان مرسلاً ونبياً قبله لقوله تعالى:وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ }

السابقالتالي
2