الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } * { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

{ يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } التسبيح إما أن يكون تسبيح خلقة يعني إذا نظرت إلى كل شيء دلتك خلقته على وحدانية الله تعالى وتنزيهه عن الأشباه، أو تسبيح معرفة بأن يجعل الله بلطفه في كل شيء ما يعرف به الله تعالى وينزهه، ألا ترى إلى قولهوَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء: 44] أو تسبيح ضرورة بأن يجري الله التسبيح على كل جوهر من غير معرفة له بذلك { هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ } أرسل { فِى ٱلأُمّيِينَ رَسُولاً مّنْهُمْ } أي بعث رجلاً أمياً في قوم أميين. وقيل { مِنْهُمْ } كقولهمّنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة: 128] يعلمون نسبه وأحواله. والأمي منسوب إلى أمة العرب لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرؤون من بين الأمم. وقيل: بدئت الكتابة بالطائف وهم أخذوها من أهل الحيرة وأهل الحيرة من أهل الأنبار { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ } القرآن { وَيُزَكّيهِمْ } ويطهرهم من الشرك وخبائث الجاهلية { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } القرآن { وَٱلْحِكْـمَةِ } السنة أو الفقه في الدين { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ } من قبل محمد صلى الله عليه وسلم { لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } كفر وجهالة، و«إن» مخففة من الثقيلة واللام دليل عليها أي كانوا في ضلال لا ترى ضلالاً أعظم منه.

{ وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ } مجرور معطوف على { ٱلأَمّيّينَ } يعني أنه بعثه في الأميين الذين على عهده وفي آخرين من الأميين { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون بهم وهم الذين بعد الصحابة رضي الله عنهم، أو هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم الدين. وقيل: هم العجم. أو منصوب معطوف على المنصوب في { وَيُعَلّمُهُمُ } أي يعلمهم ويعلم آخرين لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستنداً إلى أوله فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } في تمكينه رجلاً أمياً من ذلك الأمر العظيم وتأييده عليه واختياره إياه من بين كافة البشر { ذٰلِكَ } الفضل الذي أعطاه محمداً وهو أن يكون نبي أبناء عصره ونبي أبناء العصور الغوابر هو { فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } إعطاءه وتقتضيه حكمته { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي كلفوا علمها والعمل بما فيها { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } ثم لم يعملوا بها فكأنهم لم يحملوها { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } جمع سفر وهو الكتاب الكبير و { يَحْمِلُ } في محل النصب على الحال أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم في قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني   
شبه اليهود في أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها ثم لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بآياتها، وذلك أن فيها نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والبشارة به فلم يؤمنوا به بالحمار حمل كتباً كباراً من كتب العلم فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } أي بئس مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، أو بئس مثل القوم المكذبين مثلهم وهم اليهود الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي وقت اختيارهم الظلم أو لا يهدي من سبق في علمه أنه يكون ظالماً.

السابقالتالي
2 3