الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ } * { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ } * { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } * { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ } * { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } * { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

{ قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي صرفت وزجرت بأدلة العقل والسمع عن عبادة ما تعبدون من دون الله { قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ } أي لا أجري في طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل، وهو بيان سبب الذي منه وقعوا في الضلال { قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً } أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال { وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } وما أنا من المهتدين في شيء يعني أنكم كذلك ولما نفي أن يكون الهوى متبعاً نبه على ما يجب اتباعه بقوله { قُلْ إِنّي عَلَىٰ بَيّنَةٍ مِّن رَّبّي } أي إني من معرفة ربي وأنه لا معبود سواه على حجة واضحة { وَكَذَّبْتُم بِهِ } حيث أشركتم به غيره. وقيل: على بينة من ربي على حجة من جهة ربي وهو القرآن وكذبتم به بالبينة، وذكر الضمير على تأويل البرهان أو البيان أو القرآن. ثم عقبه بما دل على أنهم أحقاء بأن يعاقبوا بالعذاب فقال { مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهمفَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } [الأنفال: 32] { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } في تأخير عذابكم { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ } حجازي وعاصم أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره من قص أثره. الباقون { يَقْضِ ٱلْحَقّ } في كل ما يقضي من التأخير والتعجيل، والحق صفة لمصدر يقضي وقوله { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَـٰصِلِينَ } أي القاضين بالقضاء الحق إذ الفصل هو القضاء، وسقوط الياء من الخط لاتباع اللفظ لالتقاء الساكنين { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى } أي في قدرتي وإمكاني { مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } من العذاب { لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } لأهلكتكم عاجلاً غضباً لربي { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ } فهو ينزل عليكم العذاب في وقت يعلم أنه أردع.

{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ } المفاتح جمع مفتح وهو المفتاح، أو هي خزائن العذاب والرزق، أو ما غاب عن العباد من الثواب والعقاب والآجال والأحوال. جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالأغلاق والأقفال، ومن علم مفاتحها وكيفية فتحها توصل إليها فأراد أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ويعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما في المخازن. قيل: عنده مفاتح الغيب وعندك مفاتح الغيب، فمن آمن بغيبه أسبل الله الستر على عيبه { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرّ } من النبات والدواب { وَٱلْبَحْرِ } من الحيوان والجواهر وغيرهما { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } «ما» للنفي و «من» للاستغراق أي يعلم عددها وأحوالها قبل السقوط وبعده { وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَـٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ } عطف على { وَرَقَةٍ } وداخل في حكمها وقوله { إِلاَّ فِي كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } كالتكرير لقوله { إِلاَّ يَعْلَمُهَا } لأن معنى { إِلاَّ يَعْلَمُهَا } ومعنى { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } واحد وهو علم الله أو اللوح.

السابقالتالي
2 3