{ وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ } رسلاً فالمفعول محذوف فكذبوهم { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء } بالبؤس والضر، والأول القحط والجوع والثاني المرض ونقصان الأنفس والأموال { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم فالنفوس تتخشع عند نزول الشدائد. { فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } أي هلا تضرعوا بالتوبة ومعناه نفي التضرع كأنه قيل: يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا ولكنه جاء بـ «لولا» ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم { وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } فلم يزجروا بما ابتلوا به { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } وصاروا معجبين بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } من البأساء والضراء أي تركوا الاتعاظ به ولم يزجرهم { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوٰبَ كُلِّ شَيْءٍ } من الصحة والسعة وصنوف النعمة { فَتَحْنَا } شامي { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ } من الخير والنعمة { أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } آيسون متحسرون وأصله الإطراق حزناً لما أصابه أو ندماً على مافاته و «إذا» للمفاجأة { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي أهلكوا عن آخرهم ولم يترك منهم أحد { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة وأنه من أجل النعم وأجزل القسم، أو احمدوا الله على إهلاك من لم يحمد الله. ثم دل على قدرته وتوحيده بقوله { قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَـٰرَكُمْ } بأن أصمكم وأعماكم { وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } فسلب العقول والتمييز { مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ } بما أخذ وختم عليه. { مِنْ } رفع بالابتداء و { إِلَـهٌ } خبره و { غَيْرِ } صفة لـ { إِلَٰـهٌ } وكذا { يَأْتِيَكُمُ } والجملة في موضع مفعولي { أَرَءيْتُمْ } وجواب الشرط محذوف { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ } لهم { الآيَـٰتِ } نكررها { ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } يعرضون عن الآيات بعد ظهورها، والصدوف الإعراض عن الشيء { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً } بأن لم تظهر أماراته { أَوْ جَهْرَةً } بأن ظهرت أماراته. وعن الحسن: ليلاً أو نهاراً { هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بربهم { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } بالجنان والنيران للمؤمنين والكفار، ولن نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة والأدلة الساطعة { فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ } أي داوم على إيمانه { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } فلا خوف يعقوب. { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ } جعل العذاب ماساً كأنه حي يفعل بهم ما يريد من الآلام { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى بالكفر { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ ٱللَّهِ } أي قسمه بين الخلق وأرزاقه، ومحل { وَلا أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } النصب عطفاً على محل { عِندِي خَزَائِنُ ٱللَّهِ } لأنه من جملة المقول كأنه قال: لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول { وَلآ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ } أي لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن الله وعلم الغيب ودعوى الملكية، وإنما أدعي ما كان لكثير من البشر وهو النبوة { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } أي ما أخبركم إلا بما أنزل الله علي { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } مثل للضال والمهتدي، أو لمن اتبع ما يوحى إليه ومن لم يتبع، أو لمن يدعي المستقيم وهو النبوة والمحال وهو الإلهية { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } فلا تكونوا ضالين أشباه العميان أو فتعلموا أني ما ادعيت ما لا يليق بالبشر، أو فتعلموا أن اتباع ما يوحى إلي مما لا بد لي منه، { وَأَنذِرْ بِهِ } بما يوحى { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } هم المسلمون المقرّون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل فينذرهم بما أوحي إليه، أو أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث { لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } في موضع الحال من { يُحْشَرُواْ } أي يخافون أن يحشروا غير منصورين و لا مشفوعاً لهم { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يدخلون في زمرة أهل التقوى.