الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } * { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }

{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } أي إنما يجيب دعاءك الذين يسمعون دعاءك بقلوبهم { وَٱلْمَوْتَىٰ } مبتدأ إي الكفار { يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } فحينئذ يسمعون وأما قبل ذلك فلا { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ } هلا أنزل عليه { ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } كما نقترح من جعل الصفا ذهباً وتوسيع أرض مكة وتفجير الأنهار خلالها { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ ءَايَةً } كما اقترحوا { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } إن الله قادر على أن ينزل تلك الآية، أو لا يعلمون ما عليهم في الآية من البلاء لو أنزلت { وَمَا مِن دَابَّةٍ } هي اسم لما يدب وتقع على المذكر والمؤنث { فِي ٱلأَرْضِ } في موضع جر صفة لـ { دَابَّةٍ } { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } قيد الطيران بالجناحين لنفي المجاز لأن غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } في الخلق والموت والبعث والاحتياج إلى مدبر يدبر أمرها { مَّا فَرَّطْنَا } ما تركنا { فِي ٱلْكِتَـٰبِ } في اللوح المحفوظ { مِن شَيْءٍ } من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت، أو الكتاب القرآن. وقوله { مِن شَيْءٍ } أي من شيء يحتاجون إليه فهو مشتمل على ما تعبدنا به عبارة وإشارة ودلالة واقتضاء { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ } يعني الأمم كلها من الدواب والطيور فينصف بعضها من بعض كما رُوي أنه يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول: كوني تراباً. وإنما قال { إِلاَّ أُمَمٌ } مع إفراد الدابة والطائر لمعنى الاستغراق فيهما. ولما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته وينادي على عظمته قال { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـايَـٰتِنَا صُمٌّ } لا يسمعون كلام المنبه { وَبُكْمٌ } لا ينطقون بالحق خابطون { فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ } أي ظلمة الجهل والحيرة والكفر، غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه. { صُمٌّ وَبُكْمٌ } خبر { ٱلَّذِينَ } ودخول الواو لا يمنع من ذلك، و { فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ } خبر آخر. ثم قال إيذاناً بأنه فعال لما يريد { مَن يَشَأْ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } أي من يشأ الله ضلاله يضلله { وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وفيه دلالة خلق الأفعال وإرادة المعاصي ونفي الأصلح.

{ قُلْ أَرَءَيتَكُم } وبتليين الهمزة: مدني، وبتركه: علي، ومعناه هل علمتم أن الأمر كما يقال لكم فأخبروني بما عندكم، والضمير الثاني لا محل له من الإعراب والتاء ضمير الفاعل ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره أرأيتكم { إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } من تدعون. ثم بكتهم بقوله { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } أي أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون الله دونها { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في أن الأصنام آلهة فادعوها لتخلصكم { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ } بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ } أي ما تدعونه إلى كشفه { إِن شَاءَ } إن أراد أن يتفضل عليكم { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } وتتركون آلهتكم، أو لا تذكرون آلهتكم في ذلك الوقت لأن أذهانكم مغمورة بذكر ربكم وحده إذ هو القادر على كشف الضر دون غيره، ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } كأنه قيل: أرأيتكم أغير اللّه تدعون إن أتاكم عذاب اللّه.