الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } * { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } * { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } * { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } أي ما تكلم به. { كَلِمَـٰتُ رَبّكَ } حجازي وشامي وأبو عمرو أي تم كل ما أخبر به وأمر ونهي ووعد وأوعد { صِدْقاً } في وعده ووعيده { وَعَدْلاً } في أمره ونهيه. وانتصبا على التمييز أو على الحال { لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ } لا أحد يبدل شيئاً من ذلك { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لإقرار من أقر { ٱلْعَلِيمُ } بإصرار من أصر أو السميع لما يقولون العليم بما يضمرون.

{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ } أي الكفار لأنهم الأكثرون { يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } دينه { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } يكذبون في أن الله حرم عليهم كذا وأحل لهم كذا { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي هو يعلم الكفار والمؤمنين. من رفع بالابتداء ولفظها لفظ الاستفهام والخبر { يَضِلُّ } وموضع الجملة نصب بـ «يعلم» المقدر لا بـ { أَعْلَمُ } لأن أفعل لا يعمل في الاسم الظاهر النصب ويعمل الجر. وقيل: تقديره أعلم بمن يضل بدليل ظهور الباء بعده في بالمهتدين { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِـئَايَـٰتِهِ مُّؤْمِنِينَ } هو مسبب عن إنكار اتباع المضلين الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتل الله أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم. فقيل للمسلمين: إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم الله عليه خاصة أي على ذبحه دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم أو مات حتف أنفه { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ } «ما» استفهام في موضع رفع بالابتداء و { لَكُمْ } الخبر أي وأي غرض لكم في أن لا تأكلوا { مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم } بين لكم { مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } مما لم يحرم بقولهحُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } [المائدة: 3] ـ { فَصْلٌ } و { حَرَّمَ } كوفي غير حفص وبفتحهما مدني وحفص وبضمهما غيرهم { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } مما حرم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة أي شدة المجاعة إلى أكله { وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ } { ليضلون } كوفي { بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي يضلون فيحرمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق بشريعة { إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } بالمتجاوزين من الحق إلى الباطل.

{ وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } علانيته وسره أو الزنا في الحوانيت والصديقة في السر أو الشرك الجلي والخفي { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإثْمَ سَيُجْزَوْنَ } يوم القيامة { بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } يكتسبون في الدنيا { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } عند الذبح { وَأَنَّهُ } وإن أكله { لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ } ليوسوسون { إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ } من المشركين { لِيُجَـٰدِلُوكُمْ } بقولهم لا تأكلون مما قتله الله وتأكلون مما تذبحون بأيديكم، والآية تحرم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو بجعل الناسي ذاكراً تقديراً { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } في استحلال ما حرمه الله { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك به، ومن حق المتدين أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لما في الآية من التشديد العظيم.

السابقالتالي
2 3