الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } * { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } * { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } * { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

{ قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ } البصيرة نور القلب الذي به يستبصر القلب كما أن البصر نور العين الذي به تبصر أي جاءكم من الوحي والتنبيه ما هو للقلوب كالبصائر { فَمَنْ أَبْصَرَ } الحق وآمن { فَلِنَفْسِهِ } أبصر وإياها نفع { وَمَنْ عَمِيَ } عنه وضل { فَعَلَيْهَا } فعلى نفسه عمى وإياها ضر بالعمى { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما أنا منذر والله هو الحفيظ عليكم. الكاف في { وَكَذٰلِكَ نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ } في موضع نصب صفة المصدر المحذوف أي نصرف الآيات تصريفاً مثل ما تلونا عليك { وَلِيَقُولُواْ } جوابه محذوف أي وليقولوا { دَرَسْتَ } نصرفها ومعنى { دَرَسْتَ } قرأت كتب أهل الكتاب. { دارست } مكي وأبو عمرو أي دارست أهل الكتاب. { دَرَسْتَ } شامي أي قدمت هذه الآية ومضت كماقالوا أساطير الأولين } { وَلِنُبَيِّنَهُ } أي القرآن وإن لم يجر له ذكر لكونه معلوماً أو الآيات لأنها في معنى القرآن. قيل: اللام الثانية حقيقة، والأولى لام العاقبة والصيرورة أي لتصير عاقبة أمرهم إلى أن يقولوا درست وهو كقولهفَٱلْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8] وهم لم يلتقطوه للعداوة وإنما التقطوه ليصير لهم قرة عين ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة، فكذلك الآيات صرفت للتبيين ولم تصرف ليقولوا درست ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل التبيين فشبه به. وقيل: ليقولوا كما قيل لنبينه وعندنا ليس كذلك لما عرف { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } الحق من الباطل { ٱتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ولا تتبع أهواءهم { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } اعتراض أكد به إيجاب اتباع الوحي لا محل له من الإعراب أو حال { مِن رَبِّكَ } مؤكدة { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } في الحال إلى أن يرد الأمر بالقتال { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ } أي إيمانهم فالمفعول محذوف { مَا أَشْرَكُواْ } بيّن أنهم لا يشركون على خلاف مشيئة الله ولو علم منهم اختيار الإيمان لهداهم إليه ولكن علم منهم اختيار الشرك فشاء شركهم فأشركوا بمشيئته { وَمَا جَعَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } مراعياً لأعمالهم مأخوذاً بإجرامهم { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } بمسلط.

وكان المسلمون يسبون آلهتهم فنهوا عنه لئلا يكون سبهم سبباً لسب الله بقوله:

{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ } منصوب على جواب النهي { عَدْوَاً } ظلماً وعدواناً { بِغَيْرِ عِلْمٍ } على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به { كَذٰلِكَ } مثل ذلك التزيين { زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ } من أمم الكفار { عَمَلَهُمْ } وهو كقولهأَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء }

السابقالتالي
2 3