الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } * { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } * { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } * { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } * { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ }

{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } قربت القيامة { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } نصفين. وقرىء { وَقَدْ انشق } أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق كما تقول: أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه. قال ابن مسعود رضي الله عنه: رأيت حراء بين فلقتي القمر. وقيل: معناه ينشق يوم القيامة. والجمهور على الأول وهو المروي في الصحيحين. ولا يقال لو انشق لما خفي على أهل الأقطار ولو ظهر عندهم لنقلوه متواتراً لأن الطباع جبلت على نشر العجائب لأنه يجوز أن يحجبه الله عنهم بغيم { وَإِن يَرَوْاْ } يعني أهل مكة { ءايَةً } تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم { يُعْرِضُواْ } عن الإيمان به { وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } محكم قوي من المرة القوة أو دائم مطرد أو مار ذاهب يزول ولا يبقى { وَكَذَّبُواْ } النبي صلى الله عليه وسلم { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } وما زين لهم الشيطان من دفع الحق بعد ظهوره { وَكُلُّ أَمْرٍ } وعدهم الله { مُّسْتَقِرٌّ } كائن في وقته. وقيل: كل ما قدر واقع. وقيل: كل أمر من أمرهم واقع مستقر أي سيثبت ويستقر عند ظهور العقاب والثواب { وَلَقَدْ جَاءهُمْ } أهل مكة { مّنَ ٱلأَنبَاء } من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفار { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } ازدجار عن الكفر. تقول: زجرته وازدجرته أي منعته وأصله ازتجر ولكن التاء إذا وقعت بعد زاي ساكنة أبدلت دالاً لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور، فأبدل من التاء حرف مجهور وهو الدال ليتناسبا وهذا في آخر كتاب سيبويه { حِكْمَةٌ } بدل من «ما» أو على «هو حكمة» { بَـٰلِغَةٌ } نهاية الصواب أو بالغة من الله إليهم { فَمَا تُغْنِـى ٱلنُّذُرُ } «ما» نفي و { ٱلنُّذُرُ } جمع نذير وهم الرسل أو المنذر به أو النذر مصدر بمعنى الإنذار.

{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } لعلمك أن الإنذار لا يغني فيهم. نصب { يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ } بـ { يُخْرِجُونَ } أو بإضمار اذكر. { ٱلدَّاعِىَ } ، { إِلَىٰ ٱلدَّاعِىَ } سهل ويعقوب ومكي فيهما، وافق مدني وأبو عمرو في الوصل، ومن أسقط الياء اكتفى بالكسرة عنها. وحذف الواو من { يَدْعُو } في الكتابة لمتابعة اللفظ، والداعي إسرافيل عليه السلام { إِلَىٰ شَىْءٍ نُّكُرٍ } منكر فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثلة وهو هول يوم القيامة { نُّكُرٍ } بالتخفيف: مكي { خُشَّعاً أَبْصَـٰرُهُمْ } { خَـٰشِعاً } عراقي غير عاصمٍ وهو حال من الخارجين وهو فعل للأبصار، وذكر كما تقول يخشع أبصارهم غيرهم خشعاً على يخشعن أبصارهم وهي لغة من يقول «أكلوني البراغيث». ويجوز أن يكون في { خُشَّعاً } ضميرهم وتقع { أَبْصَـٰرَهُمْ } بدلاً عنه، وخشوع الأبصار كناية عن الذلة لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } من القبور { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } في كثرتهم وتفرقهم في كل جهة.

السابقالتالي
2