الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاءَ } أي لا تتخذوهم أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين. ثم علل النهي بقوله { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } وكلهم أعداء المؤمنين، وفيه دليل على أن الكفر كله ملة واحدة { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } من جملتهم وحكمه حكمهم، وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفرة { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } نفاق { يُسَـٰرِعُونَ } حال أو مفعول ثانٍ لاحتمال أن يكون «فترى» من رؤية العين أو القلب { فِيهِمْ } في معاونتهم على المسلمين وموالاتهم { يَقُولُونَ } أي في أنفسهم لقوله على «ما أسروا» { نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } أي حادثة تدور بالحال التي يكونون عليها { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ } لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وإظهار المسلمين { أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ } أي يؤمر النبي عليه السلام بإظهار إسرار المنافقين وقتلهم { فَيُصْبِحُواْ } أي المنافقون { عَلَىٰ مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ } من النفاق { نَـٰدِمِينَ } خبر «فيصبحوا» { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أي يقول بعضهم لبعض عند ذلك. «ويقول» بصري عطفاً على «أن يأتي» «يقول» بغير واو: شامي وحجازي على أنه جواب قائل يقول: فماذا يقول المؤمنون حينئذ؟ فقيل: يقول الذين آمنوا { أَهُـٰؤُلاء ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } أي أقسموا لكم بإغلاظ الأيمان أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار وجهد أيمانهم مصدر في تقدير الحال أي مجتهدين في توكيد أيمانهم { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } ضاعت أعمالهم التي عملوها رياء وسمعة لا إيماناً وعقيدة، وهذا من قول الله عز وجل شهادة لهم بحبوط الأعمال وتعجيباً من سوء حالهم { فَأَصْبَحُواْ خَـٰسِرِينَ } في الدنيا والعقبى لفوات المعونة ودوام العقوبة.

{ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر. «يرتدد» مدني وشامي { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } يرضى أعمالهم ويثني عليهم بها ويطيعونه ويؤثرون رضاه، وفيه دليل نبوته عليه السلام حيث أخبرهم بما لم يكن فكان، وإثبات خلافة الصديق لأنه جاهد المرتدين، وفي صحة خلافته وخلافة عمر رضي الله عنهما. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهم فضرب على عاتق سلمان وقال «هذا وذووه لو كان الإيمان معلقاً بالثريا لناله رجال من أبناء فارس» والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف معناه فسوف يأتي الله بقوم مكانهم { أَذِلَّةٍ } جمع ذليل، وأما ذلول فجمعه ذلل. ومن زعم أنه من الذُّلِ الذي هو ضد الصعوبة فقد سها لأن ذلولاً لا يجمع على أذلة.

السابقالتالي
2