{ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } كرر للتأكيد أي هم سماعون ومثله { أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحْتِ } وهو كل ما لا يحل كسبه وهو من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة، وفي الحديث " هو الرشوة في الحكم " وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام. وبالتثقيل مكي وبصري وعلي { فَإِن جَاءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } قيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيراً إذا تحاكم إليه أهل الكتاب بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم بينهم. وقيل: نسخ التخيير بقوله: { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } { وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً } فلن يقدروا على الإضرار بك لأن الله تعالى يعصمك من الناس { وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ } بالعدل { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } العادلين. { وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدعون الإيمان به. «فيها حكم الله» حال من التوراة وهي مبتدأ وخبره «عندهم» { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } عطف على «يحكمونك» أي ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم لا يرضون به { وَمَا أُوْلَـئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } بك أو بكتابهم كما يدعون. { إِنَّا أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى } يهدي للحق { وَنُورٌ } يبين ما استبهم من الأحكام { يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } انقادوا لحكم الله في التوراة وهو صفة أجريت للنبيين على سبيل المدح، وأريد بإجرائها التعريض باليهود لأنهم بعداء عن ملة الإسلام التي هي دين الأنبياء كلهم { لِلَّذِينَ هَادُواْ } تابوا من الكفر، واللام يتعلق بـ «يحكم» { وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأحْبَارُ } معطوفان على «النبيون» أي الزهاد والعلماء { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ } استودعوا، قيل: ويجوز أن يكون بدلاً من «بها» في «يحكم بها» { مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } «من» للتبيين والضمير في «استحفظوا» للأنبياء والربانيين والأحبار جميعاً ويكون الاستحفاظ من الله أي كلفهم الله حفظه، أو لـ «الربانيون والأحبار» ويكون الاستحفاظ من الأنبياء { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء } رقباء لئلا يبدل { فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ } نهي للحكام عن خشيتهم غير الله في حكوماتهم وإمضائها على خلاف ما أمروا به من العدل خشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد { وَٱخْشَوْنِ } في مخالفة أمري وبالياء فيهما: سهل وافقه أبو عَمرو في الوصل { وَلاَ تَشْتَرُواْ } ولا تستبدلوا بآيات الله وأحكامه { ثَمَناً قَلِيلاً } وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } مستهيناً به { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: من لم يحكم جاحداً فهو كافر، وإن لم يكن جاحداً فهو فاسق ظالم.