الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } ارتفعا بالابتداء والخبر محذوف تقديره: وفيما يتلى عليكم السارق والسارقة أو الخبر { فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } أي يديهما والمراد اليمينان بدليل قراءة عبد الله بن مسعود، ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط لأن المعنى: والذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما. والاسم الموصول يضمن معنى الشرط، وبدأ بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهي في الرجال أكثر، وأخر الزاني لأن الزنا ينبعث من الشهوة وهي في النساء أوفر. وقطعت اليد لأنها آلة السرقة ولم تقطع آلة الزنا تفادياً عن قطع النسل. { جَزَاء بِمَا كَسَبَا } مفعول له { نَكَـٰلاً مّنَ ٱللَّهِ } أي عقوبة منه وهو بدل من «جزاء» { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } غالب لا يعارض في حكمه { حَكِيمٌ } فيما حكم من قطع يد السارق والسارقة { فَمَن تَابَ } من السرقة { مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } سرقته { وَأَصْلَحَ } برد المسروق { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ } يقبل توبته { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يغفر ذنبه ويرحمه { أَلَمْ تَعْلَمْ } يا محمد أو يا مخاطب { أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذّبُ مَن يَشَاء } من مات على الكفر { وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ } لمن تاب عن الكفر { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء } من التعذيب والمغفرة وغيرهما { قَدِيرٌ } قادر. وقدم التعذيب على المغفرة هنا لتقدم السرقة على التوبة.

{ يأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } أي لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفر أي في إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومن موالاة المشركين، فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم. يقال أسرع فيه الشيب أي وقع سريعاً فكذلك مسارعتهم في الكفر وقوعهم فيه أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطئووها { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ } تبيين لقوله: «الذين يسارعون في الكفر» { ءَامَنَّا } مفعول «قالوا» { بِأَفْوٰهِهِم } متعلق بـ «قالوا» أي قالوا بأفواههم آمنا { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } في محل النصب على الحال { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } معطوف على «من الذين قالوا» أي من المنافقين واليهود. ويرتفع { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هم سماعون والضمير للفريقين، أو سماعون مبتدأ وخبره «من الذين هادوا»، وعلى هذا يوقف «على قلوبهم»، وعلى الأول «على هادوا». ومعنى سماعون للكذب يسمعون منك ليكذبوا عليك بأن يمسخوا ما سمعوا منك بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءاخَرِينَ لم يَأتُوك } أي سماعون منك لأجل قوم آخرين من اليهود وجّهوهم عيوناً ليبلغوهم ما سمعوا منك { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ } أي يزيلونه ويميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا موضع.

السابقالتالي
2