الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } يقال وفى بالعهد وأوفى به، والعقد العهد الموثق شبه بعقد الحبل ونحوه وهي عقود الله التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التكليف، أو ما عقد الله عليكم، أو ما تعاقدتم بينكم. والظاهر أنها عقود الله عليهم في دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه، وأنه كلام قدم مجملاً ثم عقب بالتفصيل وهو قوله { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } والبهيمة كل ذات أربع قوائم في البر والبحر، وإضافتها إلى الأنعام للبيان وهي بمعنى «من» كخاتم فضة ومعناه، البهيمة من الأنعام وهي الأزواج الثمانية. وقيل: بهيمة الأنعام: الظباء وبقر الوحش ونحوهما { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } آية تحريمه وهو قوله «حرمت عليكم الميتة» الآية { غَيْرَ مُحِلّي ٱلصَّيْدِ } حال من الضمير في «لكم» أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد { وَأَنتُمْ حُرُمٌ } حال من «محلى الصيد» كأنه قيل: أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا يضيق عليكم، والحرم جمع حرام وهو المحرم { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } من الأحكام أو من التحليل والتحريم ونزل نهياً عن تحليل ما حرم { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } جمع شعيرة وهي اسم ما أشعر أي جعل شعاراً وعلماً للنسك به من مواقف الحج ومرامي الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التي هي علامات الحاج يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } أي أشهر الحج { وَلاَ ٱلْهَدْىَ } وهو ما أهدي إلى البيت وتقرب به إلى الله تعالى من النسائك وهو جمع هدية { وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ } جمع قلادة وهي ما قلد به الهدي من نعل أو عروة مزادة أو لحاء شجر أو غيره { وَلا ءَامّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } ولا تحلوا قوماً قاصدين المسجد الحرام وهم الحجاج والعمار، وإحلال هذه الأشياء أن يتهاون بحرمة الشعائر وأن يحال بينها وبين المتنسكين بها، وأن يحدثوا في أشهر الحج ما يصدون به الناس عن الحج وأن يتعرضوا للهدى بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله. وأما القلائد فجاز أن يراد بها ذوات القلائد وهي البدن وتعطف على الهدى للاختصاص لأنها أشرف الهدى كقوله:وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } [البقرة: 98]. كأنه قيل: والقلائد منها خصوصاً، وجاز أن ينهى عن التعرض لقلائد الهدي مبالغة في النهي عن التعرض للهدي أي ولا تحلوا قلائدها فضلاً أن تحلوها كما قال:وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } [النور: 31] فنهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها { يَبْتَغُونَ } حال من الضمير في «آمين» { فَضْلاً مّن رَّبِّهِمْ } أي ثواباً { وَرِضْوٰناً } وأن يرضى عنهم أي لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيماً لهم { وَإِذَا حَلَلْتُمْ } خرجتم من الإحرام { فَٱصْطَـٰدُواْ } إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم بقوله «غير محلي الصيد وأنتم حرم».

السابقالتالي
2 3