الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } * { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

{ يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } من آدم وحواء أو كل واحد منكم من أب وأم فما منكم من أحد إلا وهو يدلي بمثل ما يدلي به الآخر سواء بسواء فلا معنى للتفاخر والتفاضل في النسب { وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ } الشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي: الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة. فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل، خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة، وسميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها { لِتَعَـٰرَفُواْ } أي إنما رتبكم على شعوب وقبائل ليعرف بعضكم نسب بعض فلا يعتزى إلى غير آبائه، لا أن تتفاخروا بالآباء والأجداد وتدعوا التفاضل في الأنساب. ثم بين الخصلة التي يفضل بها الإنسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله فقال { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ } في الحديث: " من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله " وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى. ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم طاف يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " الحمد لله الذي أذهب عنكم عِبُية الجاهلية وتكبرها. يا أيها الناس إنما الناس رجلان: مؤمن تقي كريم على الله وفاجر وشقي هين على الله " ثم قرأ الآية. وعن يزيد بن شجرة مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق المدينة فرأى غلاما أسود يقول: من اشتراني فعلى شرط أن لا يمنعني من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاشتراه بعضهم فمرض فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توفي فحضر دفنه فقالوا في ذلك شيئاً فنزلت { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } كرم القلوب وتقواها { خَبِيرٌ } بهمّ النفوس في هواها.

{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ } أي بعض الأعراب لأن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر وهم أعراب بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة فاظهروا الشهادة يريدون الصدقة ويمنون عليه { ءَامَنَّا } أي ظاهراً وباطناً { قُلْ } لهم يا محمد { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } لم تصدقوا بقلوبكم { وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } فالإيمان هو التصديق، والإسلام الدخول في السلم والخروج من أن يكون حرباً للمؤمنين بإظهار الشهادتين، ألا ترى إلى قوله { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ } فاعلم أن ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان، وهذا من حيث اللغة. وأما في الشرع فالإيمان والإسلام واحد لما عرف، وفي { لَّمّاً } معنى التوقع وهو دال على أن بعض هؤلاء قد آمنوا فيما بعد.

السابقالتالي
2 3