الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا } أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله:صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } [الاحزاب: 23]. رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل خروجه إلى الحديبية كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد حلفوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلوها في عامهم وقالوا: إن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، فلما تأخر ذلك قال عبد الله بن أبيّ وغيره: والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت { بِٱلْحَقِّ } متعلق بـ { صَدَقَ } أي صدقه فيما رأى وفي كونه وحصوله صدقاً ملتبساً بالحق أي بالحكمة البالغة وذلك ما فيه من الابتلاء والتمييز بين المؤمن الخالص وبين من في قلبه مرض، ويجوز أن يكون بالحق قسماً إما بالحق الذي هو نقيض الباطل أو بالحق الذي هو من أسمائه، وجوابه { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } وعلى الأول هو جواب قسم محذوف { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } حكاية من الله تعالى ما قال رسوله لأصحابه وقص عليهم، أو تعليم لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك متأدبين بأدب الله ومقتدين بسنته { ءَامِنِينَ } حال والشرط معترض { مُحَلِّقِينَ } حال من الضمير في { ءَامِنِينَ } { رُءُوسَكُمْ } أي جميع شعورها { وَمُقَصِّرِينَ } بعض شعورها { لاَ تَخَـٰفُونَ } حال مؤكدة { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ } أي من دون فتح مكة { فَتْحاً قَرِيباً } وهو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الفتح الموعود.

{ هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } بالتوحيد { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } أي الإسلام { لِيُظْهِرَهُ } ليعليه { عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } على جنس الدين يريد الأديان المختلفة من أديان المشركين وأهل الكتاب، ولقد حقق ذلك سبحانه فإنك لا ترى ديناً قط إلا وللإسلام دونه العزة والغلبة. وقيل: هو عند نزول عيسى عليه السلام حين لا يبقى على وجه الأرض كافر. وقيل: هو إظهاره بالحجج والآيات { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } على أن ما وعده كائن، وعن الحسن: شهد على نفسه أنه سيظهر دينه والتقدير وكفاه الله شهيداً و { شَهِيداً } تمييز أو حال { مُحَمَّدٌ } خبر مبتدأ أي هو محمد لتقدم قوله { هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ } أو مبتدأ خبره { رَسُولِ ٱللَّهِ } وقف عليه نصير { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } أي أصحابه مبتدأ والخبر { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } أو { مُحَمَّدٌ } مبتدأ و { رَسُول ٱللَّه } عطف بيان و { ٱلَّذِينَ مَعَهُ } عطف على المبتدأ و { أَشِدَّاء } خبر عن الجميع ومعناه غلاظ { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } متعاطفون وهو خبر ثانٍ وهما جمعاً شديد ورحيم ونحوه

السابقالتالي
2