الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

{ قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } هم الذين تخلفوا عن الحديبية { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } يعني بني حنيفة قوم مسيلمة وأهل الردة الذين حاربهم أبو بكر رضي الله عنه لأن مشركي العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. وقيل: هم فارس وقد دعاهم عمر رضي الله عنه { تُقَـٰتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام. ومعنى يسلمون على هذا التأويل ينقادون لأن فارس مجوس تقبل منهم الجزية، وفي الآية دلالة صحة خلافة الشيخين حيث وعدهم الثواب على طاعة الداعي عند دعوته بقوله { فَإِن تُطِيعُواْ } من دعاكم إلى قتاله { يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } فوجب أن يكون الداعي مفترض الطاعة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ } أي عن الحديبية { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } في الآخرة { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } نفي الحرج عن ذوي العاهات في التخلف عن الغزو { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في الجهاد وغير ذلك { يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ } يعرض عن الطاعة { يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } { ندخله } و { نُعَذِّبُهُ } مدني وشامي.

{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } هي بيعة الرضوان سميت بهذه الآية. وقصتها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل بالحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعي رسولاً إلى مكة فهموا به فمنعه الأحابيش، فلما رجع دعا بعمر ليبعثه فقال: إني أخافهم على نفسي لما عرف من عداوتي إياهم، فبعث عثمان بن عفان فخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائراً للبيت فوقروه واحتبس عندهم فأرجف بأنهم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نبرح حتى نناجز القوم " ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه على أن يناجزوا قريشاً ولا يفروا تحت الشجرة، وكانت سمرة وكان عدد المبايعين ألفاً وأربعمائة { فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من الإخلاص وصدق الضمائر فيما بايعوا عليه { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } أي الطمأنينة والأمن بسبب الصلح على قلوبهم { وَأَثَـٰبَهُمْ } وجازاهم { فَتْحاً قَرِيباً } هو فتح خيبر غب انصرافهم من مكة { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } هي مغانم خيبر وكانت أرضاً ذات عقار وأموال فقسمها عليهم { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } منيعاً فلا يغالب { حَكِيماً } فيما يحكم فلا يعارض { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } هي ما أصابوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } المغانم يعني مغانم خيبر { وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } يعني أيدي أهل خيبر وحلفائهم من أسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا.

السابقالتالي
2 3