الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } * { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ } بوقت مجيء العذاب { عَندَ ٱللَّهِ } ولا علم لي بالوقت الذي يكون فيه تعذيبكم { وَأُبَلِّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ } وبالتخفيف: أبو عمرو أي الذي هو شأني أن أبلغكم ما أرسلت به من الإنذار والتخويف { وَلَـٰكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } أي ولكنكم جاهلون لا تعلمون أن الرسل بعثوا منذرين لا مقترحين ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه. { فَلَمَّا رَأَوْهُ } الضمير يرجع إلى { مَا تَعِدُنَا } أو هو مبهم وضح أمره بقوله { عَارِضاً } إما تمييزاً أو حالاً. والعارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } رُوي أن المطر قد احتبس عنهم فرأوا سحابة استقبلت أوديتهم فقالوا: هذا سحاب يأتينا بالمطر وأظهروا من ذلك فرحاً. وإضافة { مُّسْتَقْبِلَ } و { ممطر } مجازية غير معرفة بدليل وقوعهما وهما مضافان إلى معرفتين وصفاً للنكرة { بَلْ هُوَ } أي قال هود: بل هو، ويدل عليه قراءة من قرأ { قَالَ هُود بَلْ هُوَ } { مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } من العذاب. ثم فسره فقال { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ } تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير فعبر عن الكثرة بالكلية { بِأَمْرِ رَبِّهَا } رب الريح { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَـٰكِنُهُمْ } عاصم وحمزة وخلف أي لا يرى شيء إلا مساكنهم. غيرهم { لاَّ تَرَىٰ إِلاَّ مَسَـٰكِنُهُمْ } والخطاب للرائي من كان.

{ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي مثل ذلك نجزي من أجرم مثل جرمهم وهو تحذير لمشركي العرب. عن ابن عباس رضي الله عنهما: اعتزل هود عليه السلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلذه الأنفس، وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة.

{ وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ } «إن» نافية أي فيما ما مكنا كم فيه إلا أن «إن» أحسن في اللفظ لما في مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع، ألا ترى أن الأصل في «مهما» «ما ما» فلبشاعة التكرير قلبوا الألف هاء. وقد جعلت «إن» صلة وتؤول بأنا مكناهم في مثلمَا إِنَّ مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ } [الأحقاف: 26] والوجه هو الأول لقوله تعالى:هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورئياً } [مريم: 74]كَانُواْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً } [غافر: 82] و «ما» بمعنى الذي أو نكرة موصوفة { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَـٰراً وَأَفْئِدَةً } أي آلات الدرك والفهم { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَىْءٍ } أي من شيء من الإغناء وهو القليل منه { إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِئَايَٰتِ ٱللهِ } «إذ» نصب بقوله { فَمَا أَغْنَىٰ } وجرى مجرى التعليل لاستواء مؤدي التعليل والظرف في قولك: ضربته لإساءته وضربته إذ أساء، لأنك إذا ضربته في وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه إلا أن «إذ» و «حيث» غلبتا دون سائر الظروف في ذلك { وَحَاقَ بِهِم } ونزل بهم { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } جزاء استهزائهم وهذا تهديد لكفار مكة ثم زادهم تهديداً بقوله:

السابقالتالي
2