الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

{ هَـٰذَا هُدًى } إشارة إلى القرآن ويدل عليه { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبِّهِمْ } لأن آيات ربهم هي القرآن أي هذا القرآن كامل في الهداية كما تقول: زيد رجل أي كامل في الرجولية { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ } هو أشد العذاب { أَلِيمٌ } بالرفع: مكي ويعقوب وحفص صفة لـ { عذاب } وغيرهم بالجر صفة لـ { رجز } { ٱللَّهُ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ } بإذنه { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } بالتجارة أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } هو تأكيد ما في السمٰوات وهو مفعول { سَخَّرَ } وقيل: { جَمِيعاً } نصب على الحال { مِّنْهُ } حال أي سخر هذه الأشياء كائنة منه حاصلة من عنده، أو خبر مبتدأ محذوف أي هذه النعم كلها منه، أو صفة للمصدر أي تسخيراً منه { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ } أي قل لهم اغفروا يغفروا فحذف المقول لأن الجواب يدل عليه. ومعنى يغفروا يعفوا ويصفحوا. وقيل: إنه مجزوم بلام مضمر تقديره ليغفرو فهو أمر مستأنف وجاز حذف اللام للدلالة على الأمر { لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه من قولهم لوقائع العرب أيام العرب. وقيل: لا يؤملون الأوقات التي وقتها الله تعالى لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها. قيل: نزلت في عمر رضي الله عنه حين شتمه رجل من المشركين من بني غفار فهم أن يبطش به { لِيَجْزِىَ } تعليل للأمر بالمغفرة أي إنما أمروا بأن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة. وتنكير { قَوْماً } على المدح لهم كأنه قيل: ليجزي أيما قوم و { قَوْماً } مخصوصين بصبرهم على أذى أعدائهم. { لنجزى } شامي وحمزة وعلي. { ليُجْزَىَ قَوْماً } يزيد أي ليجزى الخير قوماً فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه كما أضمر الشمس في قولهحَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ص: 32] لأن قولهإِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِىّ } دليل على تواري الشمس، وليس التقدير ليجزي الجزاء قوماً لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ومعك مفعول صحيح، أما إقامة المفعول الثاني مقام الفاعل فجائز وأنت تقول جزاك الله خيراً { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الإحسان.

{ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } أي لها الثواب وعليها العقاب { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } أي إلى جزائه. { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِى إِسْرٰءِيلَ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة { وَٱلْحُكْمَ } الحكمة والفقه أو فصل الخصومات بين الناس لأن الملك كان فيهم { وَٱلنُّبُوَّةَ } خصها بالذكر لكثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } مما أحل الله لهم وأطاب من الأرزاق { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ } على عالمي زمانهم { وَءَاتَيْنَـٰهُم بَيِّنَـٰتٍ } آيات ومعجزات { مِّنَ ٱلأَمْرِ } من أمر الدين { فَمَا ٱخْتَلَفُوآ } فما وقع الخلاف بينهم في الدين { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } أي إلا من بعد ما جاءهم ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم وإنما اختلفوا لبغي حدث بينهم أي لعداوة وحسد بينهم { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } قيل: المراد اختلافهم في أوامر الله ونواهيه في التوراة حسداً وطلباً للرياسة لا عن جهل يكون الإنسان به معذوراً.

السابقالتالي
2 3