الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } * { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

{ حـم وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن، وجعل قوله { إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ } صيرناه { قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } جواباً للقسم وهو من الأيمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه، والمبين البين للذين أنزل عليهم لأنه بلغتهم وأساليبهم أو الواضح للمتدبرين أو الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } لكي تفهموا معانيه { وَإِنَّهُ فِى أُمِّ ٱلْكِتَـٰبِ لَدَيْنَا } وإن القرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ، دليله قوله:بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [البروج: 21-22]. وسمي أم الكتاب لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ. { أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ } بكسر الألف: علي وحمزة { لَّعَـلِىٌّ } خبر «إن» أي في أعلى طبقات البلاغة أو رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزاً من بينها { حَكِيمٌ } ذو حكمة بالغة { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ } أفننحي عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز من قولهم «ضرب الغرائب عن الحوض». والفاء للعطف على محذوف تقديره أنهملكم فنضرب عنكم الذكر إنكاراً لأن يكون الأمر على خلاف ما قدم من إنزاله الكتاب؟ وجعله قرآناً عربياً ليعقلوه وليعلموا بمواجبه { صَفْحاً } مصدر من صفح عنه إذا أعرض، منتصب على أنه مفعول له على معنى أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم. ويجوز أن يكون مصدراً على خلاف الصدر لأنه يقال «ضربت عنه» أي أعرضت عنه كذا قاله الفراء { إِن كُنتُمْ } لأن كنتم { إِن كُنتُمْ } مدني وحمزة. وهو من الشرط الذي يصدر عن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي وهو عالم بذلك { قَوْماً مُّسْرِفِينَ } مفرطين في الجهالة مجاوزين الحد في الضلالة.

{ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِى ٱلأَوَّلِينَ } أي كثيراً من الرسل أرسلنا من تقدمك { وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِىٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } هي حكاية حال ماضية مستمرة أي كانوا على ذلك وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزاء قومه.

{ فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } تمييز، والضمير للمسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره عنهم { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } أي سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تسير مسير المثل، وهذا وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم. { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } أي المشركين { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأًرْضَ مَهْداً } كوفي وغيره مهاداً أي موضع قرار { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } طرقاً { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } لكي تهتدوا في أسفاركم.

السابقالتالي
2 3