الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } * { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ }

{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ } «أم» منقطعة بمعنى «بل» والهمزة كأنه قال: أثبت عندكم وأستقر أني أنا خير وهذه حالي؟ { أمّن هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } ضعيف حقير { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } الكلام لما كان به من الرتة { فَلَوْلآ } فهلا { أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسُوِرَةٌ } حفص ويعقوب وسهل جمع سوار، غيرهم { أساورة } جمع أسورة وأساوير جمع أسوار وهو السوار، حذف الياء من أساوير وعوض منها التاء { مِّن ذَهَبٍ } أراد بإلقاء الأسورة عليه إلقاء مقاليد الملك إليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب { أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } يمشون معه يقترن بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وأنصاره وأعوانه.

{ فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ } استفزهم بالقول واستنزلهم وعمل فيهم كلامه. وقيل: طلب منهم الخفة في الطاعة وهي الإسراع { فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } خارجين عن دين الله { فَلَمَّا ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } «آسف» منقول من أسف أسفاً إذا اشتد غضبه ومعناه أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا أن يعجل لهم عذابنا وانتقامنا وأن لا نحلم عنهم { فَجَعَلْنَـٰهُمْ سَلَفاً } جمع سالف كخادم وخدم { سُلُفاً } حمزة وعلي، جمع سليف أي فريق قد سلف { وَمَثَلاً } وحديثاً عجيب الشأن سائراً مسير المثل يضرب بهم الأمثال ويقال مثلكم مثل قوم فرعون { لّلآخِرِينَ } لمن يجيء بعدهم، ومعناه فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لإتيانهم بمثل أفعالهم ومثلاً يحدثون به.

{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] غضبوا فقال ابن الزبعري: يا محمد أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام: " هو لكم ولآلهتكم. ولجميع الأمم " فقال: ألست تزعم أن عيسى بن مريم نبي وتثني عليه وعلى أمه خيراً؟ وقد علمت أن النصارى يعبدونهما وعزيز يعبد، والملائكة يعبدون. فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وءآلهتنا معهم ففرحوا وضحكوا، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء: 101] ونزلت هذه الآية. والمعنى ولما ضرب ابن الزبعري عيسى بن مريم مثلاً لآلهتهم وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه { إِذَا قَوْمُكَ } قريش { مِنْهُ } من هذا المثل { يَصِدُّونَ } يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحاً وضحكاً بما سمعوا منه من إسكات النبي صلى الله عليه وسلم بجدله، { يَصدُونَ } مدني وشامي والأعشى وعلي، من الصدود أي من أجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه. وقيل: من الصديد وهو الجلبة وأنهما لغتان نحو يعكف ويعكف { وَقَالُوآ ءَالِهَتِنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، فإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هينا { مَا ضَرَبُوهُ } أي ما ضربوا هذا المثل { لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ } إلا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الميز بين الحق والباطل.

السابقالتالي
2 3