الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } * { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } * { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } * { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }

{ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } مر في «الزمر» { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } أي يضيق { إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ شَرَعَ } بين وأظهر { لَكُم مِّنَ ٱلِِّدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء عليهم السلام، ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } والمراد إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وسائر ما يكون المرء بإقامته مسلماً، ولم يرد به الشرائع فإنها مختلفة قال الله تعالى:لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } [المائدة: 48]. ومحل { أَنْ أَقِيمُواْ } نصب بدل من مفعول { شَرَعَ } والمعطوفين عليه، أو رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع؟ فقيل: هو إقامة الدين { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } ولا تختلفوا في الدين قال علي رضي الله عنه: لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب. { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ } عظم عليهم وشق عليهم { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } من إقامة دين الله والتوحيد { ٱللَّهُ يَجْتَبِى } يجتلب ويجمع { إِلَيْهِ } إلى الدين بالتوفيق والتسديد { مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } يقبل على طاعته { وَمَا تَفَرَّقُواْ } أي أهل الكتاب بعد أنبيائهم { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء عليهم السلام { بَغْياً بَيْنَهُمْ } حسداً وطلباً للرياسة والاستطالة بغير حق { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهيبل الساعة موعدهم } { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } لأهلكوا حين افترقوا لعظم ما اقترفوا { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِهِمْ } هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم { لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ } من كتابهم لا يؤمنون به حق الإيمان { مُرِيبٍ } مدخل في الريبة. وقيل: وما تفرق أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى:وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِهِمْ } [الشورى: 14]. هم المشركون أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل.

{ فَلِذَلِكَ } فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعباً { فَٱدْعُ } إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القوية { وَٱسْتَقِمْ } عليها وعلى الدعوة إليها { كَمَا أُمِرْتَ } كما أمرك الله { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } المختلفة الباطلة { وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبٍ } بأي كتاب صح أن الله تعالى أنزله يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض كقوله: { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } إلى قوله

السابقالتالي
2 3