الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } * { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } * { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } * { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } * { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ }

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } أي الأخذ بسبب أنهم { كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ } قادر على كل شيء { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إذا عاقب. { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا } التسع { وَسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } وحجة ظاهرة { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَقَٰرُونَ فَقَالُواْ } هو { سَـٰحِرٌ كَذَّابٌ } فسموا السلطان المبين سحراً وكذباً { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } بالنبوة { مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُواْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } أي أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولاً { وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ } للخدمة { وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ } ضياع يعني أنهم باشروا قتلهم أولاً فما أغنى عنهم!، ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه فما يغني عنهم هذا القتل الثاني، وكان فرعون قد كف عن قتل الولدان، فلما بعث موسى عليه السلام وأحس بأنه قد وقع أعاده عليهم غيظاً وظناً منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى عليه السلام، وما علم أن كيده ضائع في الكرتين جميعاً { وَقَالَ فِرْعَوْنُ } لملئه { ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ } كان إذا همّ بقتله كفوه بقولهم: ليس بالذي تخافه وهو أقل من ذلك، وما هو إلا ساحر، وإذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة، والظاهر أن فرعون قد استيقن أنه نبي وأن ما جاء به آيات وما هو بسحر، ولكن كان فيه خب وكان قتالاً سفاكاً للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحس بأنه هو الذي يهدم ملكه؟، ولكن كان يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك، وقوله { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، وكان قوله: { ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ } تمويهاً على قومه وإيهاماً أنهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع { إِنِّى أَخَافُ } إن لم أقتله { أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ } أن يغير ما أنتم عليه. وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام { أَوْ أَن يُظْهِرَ } موسى { فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } بضم الياء ونصب الدال: مدني وبصري وحفص، وغيرهم بفتح الياء ورفع الدال، والأول أولى لموافقة { يبدل }. والفساد في الأرض التقاتل والتهايج الذي يذهب معه الأمن، وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش ويهلك الناس قتلاً وضياعاً كأنه قال: إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه، وقرأ غير أهل الكوفة { وَأَنْ } ، ومعناه إني أخاف فساد دينكم ودنياكم معاً. { وَقَالَ مُوسَى } لما سمع بما أجراه فرعون من حديث قتله لقومه { إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } وفي قوله { وَرَبِّكُمْ } بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذوا بالله عياذه، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه، وقال { مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ } لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة، وليكون على طريقة التعريض فيكون أبلغ، وأراد بالتكبر الاستكبارعن الاذعان للحق وهو أقبح استكبار، وأدل على دناءة صاحبه وعلى فرط ظلمه، وقال: { لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ }: لأنه إذا اجتمع في الرجل التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده، ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها، وعذت ولذت أخوان.

السابقالتالي
2 3 4