الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } * { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } * { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ }

{ حـم } وما بعده بالإمالة: حمزة وعلي وخلف ويحيـى وحماد، وبني الفتح والكسر: مدني، وغيرهم بالتفخيم، وعن ابن عباس أنه اسم الله الأعظم { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي هذا تنزيل الكتاب { مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ } أي المنيع بسلطانه عن أن يتقول عليه متقول { ٱلْعَلِيمِ } بمن صدق به وكذب، فهو تهديد للمشركين وبشارة للمؤمنين { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } ساتر ذنب المؤمنين { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } قابل توبة الراجعين { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } على المخالفين { ذِى ٱلطَّوْلِ } ذي الفضل على العارفين أو ذي الغنى عن الكل، وعن ابن عباس: غافر الذنب وقابل التوب لمن قال لا إله إلا الله، شديد العقاب لمن لا يقول لا إله إلا الله. والتوب والثوب والأوب أخوات في معنى الرجوع، والطول الغنى والفضل، فإن قلت: كيف اختلفت هذه الصفات تعريفاً وتنكيراً والموصوف معرفة؟ قلت: أما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان لأنه لم يرد بهما حدوث الفعلين حتى يكونا في تقدير الانفصال فتكون إضافتهما غير حقيقية. وإنما أريد ثبوت ذلك ودوامه، وأما شديد العقاب فهو في تقدير شديد عقابه فتكون نكرة، فقيل هو بدل.

وقيل: لما وجدت هذه النكرة بين هذه المعارف آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف. وإدخال الواو في { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } لنكتة وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين: بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات، وأن يجعلها محّاءة للذنوب كأن لم يذنب كأنه قال: جامع المغفرة والقبول، ورُوي أن عمر رضي الله عنه افتقد رجلاً ذا بأس شديد من أهل الشام، فقيل له: تتابع في هذا الشراب، فقال عمر لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان: سلام عليك وأنا أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. بسم الله الرحمن الرحيم { حـم } إلى قوله { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }. وختم الكتاب قال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة. فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني الله أن يغفر لي وحذرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى، ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته. فلما بلغ عمر أمره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه ووقفوه وادعوا له الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشياطين عليه.

{ لآ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } صفة أيضاً لـ { ذِى ٱلطَّوْلِ } ويجوز أن يكون مستأنفاً { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } المرجع { مَا يُجَـٰدِلُ فِى ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ما يخاصم فيها بالتكذيب بها والإنكار لها، وقد دل على ذلك في قولهوَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } [غافر: 5] فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها وحل مشكلها واستنباط معانيها ورد أهل الزيغ بها فأعظم جهاد في سبيل الله { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ } بالتجارات النافقة والمكاسب المربحة سالمين غانمين فإن عاقبة أمرهم إلى العذاب، ثم بين كيف ذلك فأعلم أن الأمم الذين كذبت قبلهم أهلكت فقال { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } نوحاً { وَٱلأَحْزَابُ } أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم وهم عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم { مِّن بَعْدِهِمْ } من بعد قوم نوح { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ } من هذه الأمم التي هي قوم نوح والأحزاب { بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } ليتمكنوا منه فيقتلوه.

السابقالتالي
2 3