الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } * { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } * { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } * { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } أي عن القتال { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } أي فرض بالمدينة { إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } يخافون أن يقاتلهم الكفار كما يخافون أن ينزل الله عليهم بأسه، لا شكاً في الدين ولا رغبة عنه ولكن نفوراً عن الإخطار بالأرواح وخوفاً من الموت. قال الشيخ أبو منصور رحمه الله: هذه خشية طبع لا أن ذلك منهم كراهة لحكم الله وأمره اعتقاداً، فالمرء مجبول على كراهة مافيه خوف هلاكه غالباً، وخشية الله من إضافة المصدر إلى المفعول ومحله النصب على الحال من الضمير في «يخشون» أي يخشون الناس مثل خشية أهل الله أي مشبهين لأهل خشية الله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } هو معطوف على الحال أي أو أشد خشية من أهل خشية الله وأو للتخيير أي إن قلت؛ خشيتهم الناس كخشية الله فأنت مصيب، وإن قلت: إنها أشد فأنت مصيب لأنه حصل لهم مثلها وزيادة.

{ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } هلا أمهلتنا إلى الموت فنموت على الفرش، وهو سؤال عن وجه الحكمة في فرض القتال عليهم لا اعتراض لحكمه بدليل أنهم لم يوبخوا على هذا السؤال بل أجيبوا بقوله { قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلأخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ ٱتَّقَىٰ } متاع الدنيا قليل زائل ومتاع الآخرة كثير دائم، والكثير إذا كان على شرف الزوال فهو قليل فكيف القليل الزائل! { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } ولا تنقصون أدنى شيء من أجوركم على مشاق القتل فلا ترغبوا عنه. وبالياء: مكي وحمزة وعلي. ثم أخبر أن الحذر لا ينجي من القدر بقوله:

{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } «ما» زائدة لتوكيد معنى الشرط في «أين» { وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ } حصون أو قصور { مُّشَيَّدَةٍ } مرفعة { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } نعمة من خصب ورخاء { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } نسبوها إلى الله { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } بلية من قحط وشدة { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } أضافوها إليك وقالوا. هذه من عندك وما كانت إلا بشؤمك، وذلك أن المنافقين واليهود كانوا إذا أصابهم خير حمدوا الله تعالى، وإذا أصابهم مكروه نسبوه إلى محمد صلى الله عليه وسلم فكذبهم الله تعالى بقوله { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } والمضاف إليه محذوف أي كل ذلك فهو يبسط الأرزاق ويقبضها { فَمَالِ هَـؤُلاء ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ } يفهمون { حَدِيثاً } فيعلمون أن الله هو الباسط القابض وكل ذلك صادر عن حكمة. ثم قال { مَا أَصَابَكَ } يا إنسان خطاباً عاماً. وقال الزجاج: المخاطب به النبي عليه السلام والمراد غيره { مِنْ حَسَنَةٍ } من نعمة وإحسان { فَمِنَ ٱللَّهِ } تفضلاً منه وامتناناً { وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ } من بلية ومصيبة { فَمِن نَّفْسِكَ } فمن عندك أي فبما كسبت يداك.

السابقالتالي
2 3