{ أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من النفاق. { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } فأعرض عن قبول الأعذار وعظ بالزجر والإنكار وبالغ في وعظهم بالتخويف والإنذار، أو أعرض عن عقابهم وعظهم في عتابهم وبلغ كنه ما في ضميرك من الوعظ بارتكابهم. والبلاغة أن يبلغ بلسانه كنه ما في جنانه. و«في أنفسهم» يتعلق بـ «قل لهم» أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولاً بليغاً منهم ويؤثر فيهم. { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ } أي رسولاً قط { إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بتوفيقه في طاعته وتيسيره، أو بسبب إذن الله في طاعته وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه لأنه مؤد عن الله فطاعته طاعة الله{ وَمَن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80] { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بالتحاكم إلى الطاغوت { جَاءُوكَ } تائبين من النفاق معتذرين عما ارتكبوا من الشقاق { فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } من النفاق والشقاق { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } بالشفاعة لهم. والعامل في «إذ ظلموا» خبر «أنّ» وهو «جاؤوك» والمعنى: ولو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً } لعلموه تواباً أي لتاب عليهم. ولم يقل «واستغفرت لهم» وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيماً لشأنه صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لاستغفاره وتنبيهاً على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان { رَّحِيماً } بهم. قيل: جاء أعرابي بعد دفنه عليه السلام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله، قلت فسمعنا وكان فيما أنزل عليك: « ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم» الآية. وقد ظلمت نفسي وجئتك أستغفر الله من ذنبي فاستغفر لي من ربي، فنودي من قبره قد غفر لك. { فَلاَ وَرَبّكَ } أي فوربك كقوله{ فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ } [الحجر: 92] «ولا» مزيدة لتأكيد معنى القسم وجواب القسم { لاَ يُؤْمِنُونَ } أو التقدير: فلا أي ليس الأمر كما يقولون ثم قال « وربك لا يؤمنون» { حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً } ضيقاً { مّمَّا قَضَيْتَ } أي لا تضيق صدورهم من حكمك أو شكًّا، لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } وينقادوا لقضائك انقياداً وحقيقته. سلم نفسه له وأسلمها أي جعلها سالمة له أي خاصة. وتسليماً مصدر مؤكد للفعل بمنزلة تكريره كأنه قيل: وينقادوا لحكمك انقياداً لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم، والمعنى لا يكونون مؤمنين حتى يرضوا بحكمك وقضائك { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ } على المنافقين أي ولو وقع كتبنا عليهم { أَنِ ٱقْتُلُواْ } «أن» هي المفسرة { أَنفُسَكُـمْ } أي تعرضوا للقتل بالجهاد.