الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } * { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَـٰقِهِمْ } بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه { وَقُلْنَا لَهُمُ } والطور مطل عليهم { ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } أي ادخلوا باب إيلياء مطأطئين عند الدخول رؤوسكم { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ } لا تجاوزوا الحد «تَعدّوُا»: ورش «تعدوا» بإسكان العين وتشديد الدال: مدني غير ورش وهما مدغماً «تعتدوا» وهي قراءة أبي إلا أنه أدغم التاء في الدال وأبقى العين ساكنة في رواية، وفي رواية نقل فتح التاء إلى العين { فِى ٱلسَّبْتِ } بأخذ السمك { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَـٰقاً غَلِيظاً } عهداً مؤكداً.

{ فَبِمَا نَقْضِهِم } أي فبنقضهم و «ما» مزيدة للتوكيد والباء يتعلق بقوله «حرمنا عليهم طيبات» تقديره حرمنا عليهم طيبات بنقضهم ميثاقهم، وقوله «فبظلم من الذين هادوا» بدل من قوله «فبما نقضهم» { مِيثَـٰقَهُمْ } ومعنى التوكيد تحقيق أن تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك { وَكُفْرِهِم بَـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } أي معجزات موسى عليه السلام { وَقَتْلِهِمُ ٱلأنْبِيَاء } كزكريا ويحيـى وغيرهما { بِغَيْرِ حَقٍّ } بغير سبب يستحقون به القتل { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } جمع أغلف أي محجوبة لا يتوصل إليها شيء من الذكر والوعظ { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } هو رد وإنكار لقولهم «قلوبنا غلف» { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } كعبد الله بن سلام وأصحابه { وَبِكُفْرِهِمْ } معطوف على «فبما نقضهم» أو على ما يليه من قوله: «بكفرهم». ولما تكرر منهم الكفر لأنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم عطف بعض كفرهم على بعض: { وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَـٰناً عَظِيماً } هو النسبة إلى الزنا { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ } سمي مسيحاً لأن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة فهو ممسوح، أو لأنه كان يمسح المريض والأكمة والأبرص فيبرأ فسمي مسيحاً بمعنى الماسح { عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ } هم لم يعتقدوه رسول الله لكنهم قالوا استهزاء كقول الكفار لرسولنايا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [الحجر: 6] ويحتمل أن الله وصفه بالرسول وإن لم يقولوا ذلك.

{ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ } روي أن رهطاً من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم: اللهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني، اللهم العن من سبني وسب والدتي، فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير. فاجتمعت اليهود على قتله فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود، فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل منهم: أنا، فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب. وقيل: كان رجل ينافق عيسى فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلكم عليه فدخل بيت عيسى ورفع عيسى وألقى الله شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى.

السابقالتالي
2