الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } * { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } * { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاءَ } المبذرين أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا قدرة لهم على إصلاحها وتثميرها والتصرف فيها، والخطاب للأولياء. وأضاف إلى الأولياء أموال السفهاء بقوله { أَمْوٰلَكُمْ } لأنهم يلونها ويمسكونها { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَـٰماً } أي قواماً لأبدانكم ومعاشاً لأهلكم وأولادكم. قيما بمعنى قياماً: نافع وشامي كما جاء «عوذا» بمعنى «عياذا». وأصل قيام قوام فجـعلت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وكان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن، ولأن أترك مالاً يحاسبني الله عليه خير من أن أحتاج إلى الناس، وعن سفيان ـ وكان له بضاعة يقلبها ـ لولاها لتمندل بي بنو العباس { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا } واجعلوها مكاناً لرزقهم بأن تتجروا فيها وتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فيأكلها الإنفاق { وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } قال ابن جريج: عدة جميلة إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم، وكل ما سكنت إليه النفس لحسنه عقلاً أو شرعاً من قول أو عمل فهو معروف، وما أنكرته لقبحه فهو منكر. { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ، فالابتلاء عندنا أن يدفع إليه ما يتصرف فيه حتى تتبين حاله فيما يجيء منه، وفيه دليل على جواز إذن الصبي العاقل في التجارة { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ } أي الحلم لأنه يصلح للنكاح عنده ولطلب ما هو مقصود به وهو التوالد { فَإنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ } تبينتم { رَشَدًا } هداية في التصرفات وصلاحاً في المعاملات { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ } من غير تأخير عن حد البلوغ، ونظم هذا الكلام أن ما بعد «حتى» إلى { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ } جعل غاية للابتلاء وهي حتى التي تقع بعدها الجمل كالتي في قوله:

حتى ماء دجلة أشكل

والواقعة بعدها جملة شرطية لأن «إذا» متضمنة معنى الشرط وفعل الشرط «بلغوا النكاح»وقوله: «فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم» جملة من شرط وجزاء واقعة جواباً للشرط الأول الذي هو «إذا بلغوا النكاح»فكأنه قيل: وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم. وتنكير الرشد يفيد أن المراد رشد مخصوص وهو الرشد في التصرف والتجارة، أو يفيد التقليل أي طرفاً من الرشد حتى لا ينتظر به تمام الرشد وهو دليل لأبي حنيفة رحمه الله في دفع المال عند بلوغ خمس وعشرين سنة. { وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } ولا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم فـ «إسرافاً» و«بداراً» } مصدران في موضع الحال و«أن يكبروا» في موضع المصدر منصوب الموضع بـ «بداراً»، ويجوز أن يكونا مفعولاً لهما أي لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في إنفاقها وتقولون ننفق فيما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } قسم الأمر بين أن يكون الوصي غنياً وبين أن يكون فقيراً، فالغني يستعف من أكلها أي يحترز من أكل مال اليتيم، واستعف أبلغ من عف كأنه طالب زيادة العفة والفقير يأكل قوتاً مقدراً محتاطاً في أكله.

السابقالتالي
2 3 4 5