الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ } مدار المعنى على قوله { وَحْدَهُ } أي إذا أفرد الله بالذكر ولم تذكر معه آلهتهم { ٱشْمَأَزَّتْ } أي نفرت وانقبضت { قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } يعني آلهتهم ذكر الله معهم أو لم يذكر { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } لافتتانهم بها، وإذا قيل لا إله إلا الله وحده لا شريك له نفروا لأن فيه نفياً لآلهتهم، ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه، فالاستبشار أن يمتلىء قلبه سروراً حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل، والاشمئزاز أن يمتلىء غماً وغيظاً حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه، والعامل في { إِذَا ذُكِرَ } هو العامل في «إذا» المفاجأة. تقديره: وقت ذكر الذين من دونه فاجئوا وقت الاستبشار { قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي يا فاطر، وليس بوصف كما يقوله المبرد والفراء { عَـٰلِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } السر والعلانية { أَنتَ تَحْكُمُ } تقضي { بَيْنَ عِبَادِكَ فِى مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الهدى والضلالة، وقيل: هذه محاكمة من النبي للمشركين إلى الله. وعن ابن المسيب: لا أعرف آية قرئت فدعي عندها إلا أجيب سواها. وعن الربيع بن خيثم وكان قليل الكلام أنه أخبر بقتل الحسين رضي الله عنه وقالوا: الآن يتكلم فما زاد أن قال: آه أوقد فعلوا وقرأ هذه الآية. ورُوي أنه قال على أثره: قتل من كان صلى الله عليه وسلم يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه.

{ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ } الهاء تعود إلى «ما» { لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوءِ ٱلْعَذَابِ } شدته { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } وظهر لهم من سخط الله وعذابه ما لم يكن قط في حسبانهم ولا يحدثون به نفوسهم. وقيل: عملوا أعمالاً حسبوها حسنات فإذا هي سيئات، وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال: ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء. وجزع محمد بن المنكدر عند موته فقيل له فقال: أخشى آية من كتاب الله وتلاها، فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسبه { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ } أي سيئات أعمالهم التي كسبوها أو سيئات كسبهم حين تعرض صحائف أعمالهم وكانت خافية عليهم أو عقاب ذلك { وَحَاقَ بِهِم } ونزل بهم وأحاط { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } جزاء هزئهم.

{ فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ } أي أعطيناه تفضلاً. يقال: خولني إذا أعطاك على غير جزاء { نِعْمَةً مِّنَّا } ولا تقف عليه لأن جواب «إذا» { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } مني أني سأعطاه لما فيّ من فضل واستحقاق، أو على علم مني بوجوه الكسب كما قال قارون

السابقالتالي
2