الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ } * { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـٰنَ } ابتليناه. { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ } سرير ملكه { جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } رجع إلى الله. قيل: فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة وملك بعد الفتنة عشرين سنة، وكان من فتنته أنه ولد له ابن فقالت الشياطين: إن عاش لم ننفك من السخرة فسبيلنا أن نقتله أو نخبله، فعلم ذلك سليمان عليه السلام فكان يغذوه في السحابة خوفاً من مضرة الشياطين، فألفى ولده ميتاً على كرسيه فتنبه على زلته في أن لم يتوكل فيه على ربه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال سليمان: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة منهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فجيء به على كرسيه فوضع في حجره، فوالذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون " وأما ما يُروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فمن أباطيل اليهود.

{ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً } قدم الاستغفار على استيهاب الملك جرياً على عادة الأنبياء عليهم السلام والصالحين في تقديم الاستغفار على السؤال { لاَّ يَنبَغِى } لا يتسهل ولا يكون { لأَِحَدٍ مّن بَعْدِى } أي دوني. وبفتح الياء: مدني وأبو عمرو، وإنما سأل بهذه الصفة ليكون معجزة له لا حسداً وكان قبل ذلك لم يسخر له الريح والشياطين، فلما دعا بذلك سخرت له الريح والشياطين ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ } { ٱلرّيَاح } أبو جعفر.

{ تَجْرِى } حال من { ٱلرّيحَ } { بِأَمْرِهِ } بأمر سليمان { رُخَآءَ } لينة طيبة لا تزعزع وهو حال من ضمير { تَجْرِى } { حَيْثُ } ظرف { تَجْرِى } { أَصَابَ } قصد وأراد. والعرب تقول: أصاب الصواب فاخطأ الجواب { وَٱلشَّيَـٰطِينَ } عطف على { ٱلرّيحَ } أي سخرنا له الشياطين { كُلَّ بَنَّآءٍ } بدل من { ٱلشَّيـٰطِينِ } كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية { وَغَوَّاصٍ } أي ويغوصون له في البحر لإخراج اللؤلؤ، وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر. والمعنى وسخرنا له كل بناء وغواص من الشياطين { وَءَاخَرِينَ } عطف على { كُلَّ بَنَّاء } داخل في حكم البدل { مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلأَصْفَادِ } وكان يقرن مردة الشياطين بعضهم مع بعض في القيود والسلاسل للتأديب والكف عن الفساد. والصفد: القيد وسمي به العطاء لأنه ارتباط للمنعم عليه، ومنه قول علي رضي الله عنه: من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك { هَـٰذَا } الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة { عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ } فأعط منه ما شئت من المنة وهي العطاء { أَوْ أَمْسِكْ } عن العطاء، وكان إذا أعطى أجر وإن منع لم يأتم بخلاف غيره { بِغَيْرِ حِسَابٍ } متعلق بـ { عَطَاؤُنَا } وقيل: هو حال أي هذا عطاؤنا جماً كثيراً لا يكاد يقدر على حصره، أو هذه التسخير عطاؤنا فامنن على من شئت من الشياطين بالإطلاق أو أمسك من شئت منهم في الوثاق بغير حساب أي لا حساب عليك في ذلك { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـئَابٍ } { لَزُلْفَىٰ } اسم «إن» والخبر { لَهُ } والعامل في { عِندَ } الخبر.

السابقالتالي
2 3