الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } * { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } * { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ }

{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق { بَـٰطِلاً } خلقاً باطلاً لا لحكمة بالغة، أو مبطلين عابثين كقولهوَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [الأنبياء:16] وتقديره ذوي باطل، أو عبثاً فوضع { بَـٰطِلاً } موضعه أي ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ولكن للحق المبين، وهو أنا خلقنا نفوساً أودعناها العقل ومنحناها التمكين وأزحنا عللها ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف وأعددنا لها عاقبة وجزاءً على حسب أعمالهم. { ذٰلِكَ } إشارة إلى خلقها باطلاً { ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الظن بمعنى المظنون أي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا، وإنما جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة مع إقرارهم بأنه خالق السماوات والأرض وما بينهما لقولهوَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [لقمان:25] لأنه لما كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤدياً إلى أن خلقها عبث وباطل جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه، لأن الجزاء هو الذي سبقت إليه الحكمة في خلق العالم، فمن جحده فقد جحد الحكمة في خلق العالم { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } «أم» منقطعة، ومعنى الاستفهام فيها الإنكار، والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكفار لاستوت أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر، ومن سوّى بينهم كان سفيهاً ولم يكن حكيماً { كِتَابٌ } أي هذا كتاب { أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ } يعني القرآن { مُّبَارَكٌ } صفة أخرى { لِّيَدَّبَّرُواْ ءَايَـٰتِهِ } وأصله ليتدبروا قرىء به ومعناه ليتفكروا فيها فيقفوا على ما فيه ويعملوا به. وعن الحسن: قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، حفظوا حروفه وضيعوا حدوده { لتدَبّروا } على الخطاب بحذف إحدى التاءين: يزيد { وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } وليتعظ بالقرآن أولو العقول.

{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَـٰنَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ } أي سليمان. وقيل: داود، وليس بالوجه فالمخصوص بالمدح محذوف { إِنَّهُ أَوَّابٌ } وعلل كونه ممدوحاً بكونه أواباً أي كثير الرجوع إلى الله تعالى { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ } على سليمان { بِٱلْعَشِىِّ } بعد الظهر { ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ } الخيول القائمة على ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى على طرف حافر { ٱلْجِيَادُ } السراع جمع جواد لأنه يجود بالركض، وصفها بالصفون لأنه لا يكون في الهجان وإنما هو العراب. وقيل: وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية، يعني إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها، وإذا جرت كانت سراعاً خفافاً في جريها. وقيل: الجياد الطوال الأعناق من الجيد. ورُوي أن سليمان عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس. وقيل: ورثها من أبيه وأصابها أبوه من العمالقة. وقيل: خرجت من البحر لها أجنحة فقعد يوماً بعدما صلى الظهر على كرسيه واستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر وكانت فرضاً عليه، فاغتم لما فاته فاستردها وعقرها تقرباً لله وبقي مائة، فما في أيدي الناس من الجياد، فمن نسلها.

السابقالتالي
2