الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } * { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } * { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ }

{ وَمَا أَنزَلْنَا } «ما» نافيه { عَلَىٰ قَوْمِهِ } قوم حبيب { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد قتله أو رفعه { مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءَ } لتعذيبهم { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جنداً من السماء، وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض لحكمة اقتضت ذلك { إِن كَانَتْ } الأخذة أو العقوبة { إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } صاح جبريل عليه السلام صيحة واحدة { فَإِذَا هُمْ خَـٰمِدُونَ } ميتون كما تخمد النار. والمعنى أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك ولم ينزل لإهلاكهم جنداً من جنود السماء كما فعل يوم بدر والخندق.

{ يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } الحسرة شدة الندم وهذا نداء للحسرة عليهم كأنما قيل لها تعالي يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها وهي حال استهزائهم بالرسل، والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون ويتلهف على حالهم المتلهفون، أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين { أَلَمْ يَرَوْاْ } ألم يعلموا { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } «كم» نصب بـ { أَهْلَكْنَا } و { يَرَوْاْ } معلق عن العمل في «كم» لأن «كم» لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر، لأن أصلها الاستفهام إلا أن معناه نافذ في الجملة. وقوله { أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } بدل من { كَمْ أَهْلَكْنَا } على المعنى لا على اللفظ تقديره: ألم يروا كثرة إهلا كنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } { لَّمّاً } بالتشديد: شامي وعاصم وحمزة بمعنى إلا و «إن» نافية. وغيرهم بالتخفيف على أن «ما» صلة للتأكيد و «إن» مخففة من الثقيلة وهي متلقاة باللام لا محالة. والتنوين في { كُلٌّ } عوض من المضاف إليه، والمعنى إن كلهم محشورون مجموعون محضرون للحساب أو معذبون. وإنما أخبر عن { كُلٌّ } بجميع لأن «كلا» يفيد معنى الإحاطة والجميع فعيل بمعنى مفعول ومعناه الاجتماع يعني أن المحشر يجمعهم { وَءَايَةٌ لَّهُمُ } مبتدأ وخبر أي وعلامة تدل على أن الله يبعث الموتى إحياء الأرض الميتة، ويجوز أن يرتفع { ءَايَة } بالابتداء و { لَهُمْ } صفتها، وخبرها { ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ } اليابسة. وبالتشديد: مدني { أَحْيَيْنَـٰهَا } بالمطر وهو استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية وكذلك { نَسْلَخُ } ويجوز أن توصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما جنسان مطلقان لا أرض وليل بأعيانهما فعوملا معاملة النكرات في وصفهما بالأفعال ونحوه:
ولقد أمر على اللئيم يسبني   
{ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً } أريد به الجنس { فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } قدم الظرف ليدل على أن الحب هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق منه صلاح الإنس، وإذا قل جاء القحط ووقع الضر وإذا فقد حضر الهلاك ونزل البلاء { وَجَعَلْنَا فِيهَا } في الأرض { جَنَّـٰتٍ } بساتين { مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } «من» زائدة عند الأخفش وعند غيره المفعول محذوف تقديره ما ينتفعون به { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } والضمير لله تعالى أي ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر.

السابقالتالي
2 3