الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ }

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } حمد ذاته تعليماً وتعظيماً { فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ } مبتدئها ومبتدعها. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما كنت أدري معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها. أي ابتدأتها { وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } إلى عباده { أُوْلِى } ذوي اسم جمع لذو وهو بدل من { رُسُلاً } أو نعت له { أَجْنِحَةٍ } جمع جناح { مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } صفات لأجنحة، وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الأعداد عن صيغ إلى صيغ أخر كما عدل عمر عن عامر وعن تكرير إلى غير تكرير. وقيل: للعدل والوصف والتعويل عليه، والمعنى أن الملائكة طائفة أجنحتهم اثنان اثنان أي لكل واحد منهم جناحان، وطائفة أجنحتهم ثلاثة ثلاثة، ولعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة، وطائفة أجنحتهم أربعة أربعة { يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ } أي يزيد في خلق الأجنحة وغيره { مَا يَشَآءُ } وقيل: هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن والخط الحسن والملاحة في العينين، والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة واعتدال صورة وتمام في الأعضاء وقوة في البطش وحصافة في العقل وجزالة في الرأي وذلاقة في اللسان ومحبة في قلوب المؤمنين وما أشبه ذلك { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } قادر.

{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } نكرت الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قال من أية رحمة رزق أو مطر أو صحة أو غير ذلك { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها، واستعير الفتح للإطلاق والإرسال ألا ترى إلى قوله { وَمَا يُمْسِكُ } يمنع ويحبس { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } مطلق له { مِن بَعْدِهِ } من بعد إمساكه. وأنث الضمير الراجع إلى الاسم المتضمن معنى الشرط على معنى الرحمة، ثم ذكره حملاً على اللفظ المرجع إليه إذ لا تأنيث فيه لأن الأول فسر بالرحمة فحسن اتباع الضمير التفسير، ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير. وعن معاذ مرفوعاً «لا تزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برهم فاجرهم وتعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم». { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على الإرسال والإمساك { ٱلْحَكِيمُ } الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه.

{ يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ } باللسان والقلب { نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } وهي التي تقدمت من بسط الأرض كالمهاد، ورفع السماء بلا عماد، وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه وزلفة لديه، والزيادة في الخلق وفتح أبواب الرزق. ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله { هَلْ مِنْ خَـٰلِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ } برفع { غَيْرُ } على الوصف لأن { خَـٰلِق } مبتدأ خبره محذوف أي لكم.

السابقالتالي
2 3