الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } * { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } * { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } * { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } * { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } يداومون على تلاوة القرآن { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } أي مسرين النفل ومعلنين الفرض يعني لا يقتنعون بتلاوته عن حلاوة العمل به { يَرْجُونَ } خبر «إنّ» { تجارةً } هي طلب الثواب بالطاعة { لَّن تَبُورَ } لن تكسد يعني تجارة ينتفى عنها الكساد وتنفق عند الله { لِيُوَفّيَهُمْ } متعلق بـ { لَّن تَبُورَ } أي ليوفيهم بنفاقها عنده { أُجُورَهُمْ } ثواب أعمالهم { وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } بتفسيح القبور أو بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم أو بتضعيف حسناتهم أو بتحقيق وعد لقائه. أو { يَرْجُونَ } في موضع الحال أي راجين. واللام في { لِيُوَفّيَهُمْ } تتعلق بـ { يَتْلُونَ } وما بعده أي فعلوا جميع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والإنفاق لهذا الغرض وخبر «إنّ» { إِنَّهُ غَفُورٌ } لفرطاتهم { شَكُورٍ } أي غفورٌ لهم شكور لأعمالهم أي يعطي الجزيل على العمل القليل { وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي القرآن. و«من» للتبيين { هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقاً } حال مؤكدة لأن الحق لا ينفك عن هذا التصديق { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } لما تقدمه من الكتب { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } فعلمك وأبصر أحوالك ورآك أهلاً لأن يوحي إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب.

{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } أي أوحينا إليك القرآن ثم أورثناه من بعدك أي حكمنا بتوريثه { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة لأن الله اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس، واختصهم بكرامة الإنتماء إلى أفضل رسله. ثم رتبهم على مراتب فقال { فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ } وهو المرجأ لأمر الله { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } هو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ } وهذا التأويل يوافق التنزيل فإنه تعالى قال:وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأََوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ } [التوبة: 100] الآية وقال بعده:وَءَاخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } [التوبة: 102] الآية وقال بعده:وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاْمْرِ ٱللَّهِ } [التوبة: 106] الآية. والحديث فقد رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر بعد قراءة هذه الآية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له " وعنه عليه السلام: " السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة، وأما الظالم لنفسه فيحبس حتى يظن أنه لا ينجو ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة " رواه أبو الدرداء.

والأثر فعن ابن عباس رضي الله عنهما: السابق المخلص، والمقتصد المرائي، والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة. وقول السلف فقد قال الربيع بن أنس: الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد صاحب الصغائر، والسابق المجتنب لهما.

السابقالتالي
2 3