الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } * { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }

{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً } لأن الأمر في ذلك اليوم لله وحده لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرة لأحد، لأن الدار دار ثواب وعقاب والمثيب والمعاقب هو الله. فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف والناس فيها مخلى بينهم يتضارون ويتنافعون، والمراد أنه لا ضار ولا نافع يومئذ إلا هو. ثم ذكر عاقبة الظالمين بقوله { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } بوضع العبادة في غير موضعها معطوف على { لاَ يَمْلِكُ } { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ } في الدنيا { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } أي إذا قريء عليهم القرآن { بَيّنَـٰتٍ } واضحات { قَالُواْ } أي المشركون { مَا هَـٰذَا } أي محمد { إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَذَآ } أي القرآن { إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرى }.

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وقالوا، والعدول عنه دليل على إنكار عظيم وغضب شديد { لِلْحَقّ } للقرآن أو لأمر النبوة كله { لَمَّا جَاءهُمْ } وعجزوا عن الإتيان بمثله { إِنَّ هَذَا } أي الحق { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } بتوه على أنه سحر ثم بتوه على أنه بين ظاهر كل عاقل تأمله سماه سحراً { وَمَا ءَاتَيْنَـٰهُمْ مّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } أي ما أعطينا مشركي مكة كتباً يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مّن نَّذِيرٍ } ولا أرسلنا إليهم نذيراً يندرهم بالعقاب إن لم يشركوا. ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } أي وكذب الذين تقدموهم من الأمم الماضية والقرون الخالية الرسل كما كذبوا { وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَا ءاتَيْنَـٰهُمْ } أي وما بلغ أهل مكة عشر ما أوتي الأولون من طول الأعمار وقوة الأجرام وكثرة الأموال والأولاد { فَكَذَّبُواْ رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } للمكذبين الأولين فليحذروا من مثله. وبالياء في الوصل والوقف: يعقوب أي فحين كذبوا رسلهم جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم مستظهرون، فما بال هؤلاء؟ وإنما قال { فَكَذَّبُواْ } وهو مستغنى عنه بقوله { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } لأنه لما كان معنى قوله { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل مسبباً عنه وهو كقول القائل: «أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم».

{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوٰحِدَةٍ } بخصلة واحدة وقد فسرها بقوله { أَن تَقُومُواْ } على أنه عطف بيان لها وقيل هو بدل، وعلى هذين الوجهين هو في محل الجر. وقيل: هو في محل الرفع على تقدير وهي أن تقوموا، والنصب على تقدير أعني، وأراد بقيامهم القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقهم عن مجتمعهم عنده، أو قيام القصد إلى الشيء دون النهوض والانتصاب، والمعنى إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا { لِلَّهِ } أي لوجه الله خالصاً لا لحمية ولا عصبية بل لطلب الحق { مَثْنَىٰ } اثنين اثنين { وَفُرَادَىٰ } فرداً فرداً { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه نظر الصدق والإنصاف حتى يؤديهما النظر الصحيح إلى الحق، وكذلك الفرد يتفكر في نفسه بعدل ونصفة ويعرض فكره على عقله.

السابقالتالي
2