الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ }

{ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ } وبالإدغام: عليّ للتقارب بين الفاء والباء، وضعفه البعض لزيادة صوت الفاء على الباء { ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ } الثلاثة بالياء: كوفي غير عاصم لقوله { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } { عَلَيْهِمْ كِسَفاً } { كِسَفًا } حفص { مّنَ ٱلسَّمَاء } أي أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله ولم يخافوا أن يخسف الله بهم، أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول وبما جاء به كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة { إِنَّ فِى ذَلِكَ } النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما تدلان عليه من قدرة الله تعالى { لآيَةً } لدلالة { لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } راجع إلى ربه مطيع له إذ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به.

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ } بدل من { فَضْلاً } أو من { ءاتَيْنَا } بتقدير قولنا يا جبال أو قلنا يا جبال { أَوّبِى مَعَهُ } من التأويب رجعي معه التسبيح ومعنى تسبيح الجبال أن الله يخلق فيها تسبيحاً فيسمع منها كما يسمع من المسبح معجزة لداود عليه السلام { وَٱلطَّيْرُ } عطف على محل الجبال و { ٱلطَّيْرُ } عطف على لفظ الجبال وفي هذا النظم من الفخامة ما لا يخفى حيث جعلت الجبال بمنزلة العقلاء الذين إذا أمرهم بالطاعة أطاعوا وإذا دعاهم أجابوا إشعاراً بأنه ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئة الله تعالى، ولو قال آتينا داود منا فضلاً تأويب الجبال معه والطير لم يكن فيه هذه الفخامة. { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } وجعلناه له ليّناً كالطين المعجون يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة. وقيل: لأن الحديد في يده لما أوتي من شدة القوة { أَنِ ٱعْمَلْ } «أن» بمعنى أي أو أمرناه أن أعمل { سَـٰبِغَـٰتٍ } دروعاً واسعة تامة من السبوغ وهو أول من اتخذها، وكان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء. وقيل: كان يخرج متنكراً فيسأل الناس عن نفسه ويقول لهم ما تقولون في داود فيثنون عليه فقيض الله له ملكاً في صورة آدمي فسأله على عادته فقال: نعم الرجل لولا خصلة فيه وهو أنه يطعم عياله من بيت المال فسأله عند ذلك ربه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال فعلمه صنعة الدروع { وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } لا تجعل المسامير دقاقاً فتقلق ولا غلاظاً فتفصم الحلق، والسرد: نسج الدروع { وَٱعْمَلُواْ } الضمير لداود وأهله { صَـٰلِحاً } خالصاً يصلح للقبول { إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فأجازيكم عليه.

السابقالتالي
2