الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ }

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ } وقريء { ٱلْفُلْكِ } وكل فُعْل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فُعُل فُعْل { تَجْرِى في البحر بنعمت الله } بإحسانه ورحمته أو بالريح لأن الريح من نعم الله { لِيُرِيَكُمْ مّنْ ءايَـٰتِهِ } عجائب قدرته في البحر إذا ركبتموها { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ } على بلائه { شَكُورٍ } لنعمائه، وهما صفتا المؤمن فالإيمان نصفان: نصفه شكر ونصفه صبر فكأنه قال: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن.

{ وَإِذَا غَشِيَهُمْ } أي الكفار { مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ } الموج يرتفع فيعود مثل الظلل والظلة كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ فَلَمَّا نَجَّـٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } أي باقٍ على الإيمان والإخلاص الذي كان منه ولم يعد إلى الكفر، أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر يعني أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط والمقتصد قليل نادر { وَمَا يَجْحَدُ بِـئَايَـٰتِنَا } أي بحقيقتها { إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ } غدار والختر أقبح الغدر { كَفُورٌ } لربه { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } لا يقضي عنه شيئاً والمعنى لا يجزيء فيه فحذف { وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه لأن الجملة الاسمية آكد من الجملة الفعلية وقد انضم إلى ذلك قوله { هو } وقوله { مولود } والسبب في ذلك أن الخطاب للمؤمنين وعليتهم قبض آباؤهم على الكفر فأريد حسم أطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة في الآخرة. ومعنى التأكيد لفظ المولود أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته فضلاً أن يشفع لأجداده إذ الولد يقع على الولد وولد الولد بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك كذا في الكشاف { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } بالبعث والحساب والجزاء { حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } بزينتها فإن نعمتها دانية ولذتها فانية { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } الشيطان أو الدنيا أو الأمل.