الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ }

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ } مبتدأ وخبر { ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أي: هو المختص بالخلق والرزق والإماتة والإحياء { هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ } أي: أصنامكم التي زعمتم أنهم شركاء لله { مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ } أي: من الخلق والرزق والإماتة والإحياء { مِن شَىْءٍ } أي: شيئاً من تلك الأفعال فلم يجيبوا عجزاً فقال استبعاداً: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } و «من» الأولى الثانية والثالثة كل واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم.

{ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } نحو القحط وقلة الأمطار والريع في الزراعات والربح في التجارات ووقوع الموتان في الناس والدواب وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات من كل شيء { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ } بسبب معاصيهم وشركهم كقوله:وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30] { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ } أي: ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة وبالنون عن قنبل { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عما هم عليه من المعاصي ثم أكد تسبيب المعاصي لغضب الله ونكاله بقوله: { قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } حيث أمرهم بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعصايهم.

{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ ٱلْقِيّمِ } البليغ الاستقامة الذي لا يتأتى فيه عوج { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ } هو مصدر بمعنى الرد { مِنَ ٱللَّهِ } يتعلق بيأتي، والمعنى: من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد كقوله تعالى:فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا } [الأنبياء: 40] أو بمرد على معنى لا يرده هو بعد أن يجيء به ولا رد له من جهته { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } يتصدعون أي: يتفرقون ثم أشار إلى غناه عنهم.