الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أنفسهم بما أشركوا كما قال الله تعالى:إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] { أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي اتبعوا أهواءهم جاهلين { فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أي أضله الله تعالى { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } من العذاب.

{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ } فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت عنه يميناً ولا شمالاً، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه واهتمامه بأسبابه، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه { حَنِيفاً } حال عن المأمور أو من الدين { فِطْرَةَ ٱللَّهِ } أي الزموا فطرة الله والفطرة الخلقة، ألا ترى إلى قولهلاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } [الروم: 30] فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوباً للعقل مساوقاً للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه ديناً آخر، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الجن والإنس ومنه قوله عليه السلام " كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري " وقوله عليه السلام " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه " وقال الزجاج: معناه أن الله تعالى فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث " إن الله عز وجل آخرج من صلب آدم كالذر وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم " فقال { وإذ أخذ ربك } إلى قولهقَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله تعالى خالقها. فمعنى فطرة الله دين الله { ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } أي خلق { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير. وقال الزجاج: معناه لا تبديل لدين الله ويدل عليه ما بعده وهو قوله { ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ } أي المستقيم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } حقيقة ذلك.