الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ وَلَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَـٰنِتُونَ } منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه أو مقرون بالعبودية.

{ وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ } أي ينشئهم { ثُمَّ يُعِيدُهُ } للبعث { وَهُوَ } أي البعث { أَهْوَنُ } أيسر { عَلَيْهِ } عندكم لأن الإعادة عندكم أسهل من الإنشاء فلم أنكرتم الإعادة، وأخرت الصلة في قوله { وهو أهون عليه } وقدمت في قوله:وَهُوَ عَليَّ هَيّنٌ } [مريم: 9] لقصد الاختصاص هناك، وأما هنا فلا معنى للاختصاص. وقال أبو عبيدة والزجاج وغيرهما الأهون بمعنى الهين فيوصف به الله عز وجل وكان ذلك على الله يسيراً كما قالوا: الله أكبر أي كبير، والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هونت بالقياس إلى الإنشاء، أو هو أهون على الخلق من الإنشاء لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفاً ثم علقاً ثم مضغ إلى تكميل خلقهم { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي الوصف الأعلى الذي ليس لغيره وقد عرف به ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ويدل عليه قوله { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي القاهر لكل مقدور { ٱلْحَكِيمُ } الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المثل الأعلىلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11].

وعن مجاهد: هو قول لا إله إلا الله. ومعناه وله الوصف الأرفع الذي هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مّنْ أَنفُسِكُمْ } فهذا مثل ضربه الله عز وجل لمن جعل له شريكاً من خلقه. و «من» للابتداء كأنه قال: أخذ مثلاً وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم { هَلْ لَّكُمْ } معاشر الأحرار { مّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } عبيدكم و «من» للتبعيض { مّن شُرَكَاء } «من» مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ومعناه: هل ترضون لأنفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد أن يشارككم بعضهم { فِى مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } من الأموال وغيرها { فَأَنتُمْ } معاشر الأحرار والعبيد { فِيهِ } في ذلك الرزق { سَوَآء } من غير تفصلة بين حر وعبد يحكم مماليككم في أموالكم كحكمكم { تَخَافُونَهُمْ } حال من ضمير الفاعل في سواء أي متساوون خائفاً بعضكم بعضاً مشاركته في المال، والمعنى: تخافون معاشرة السادة عبيدكم فيها فلا تمضون فيها حكماً دون إذنهم خوفاً من لائمة تلحقكم من جهتهم { كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } يعني كما يخاف بعض الأحرار بعضاً فيما هو مشترك بينهم، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟ { كَذٰلِكَ } موضع الكاف نصب أي مثل هذا التفصيل { نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } نبينها لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها { لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يتدبرون في ضرب الأمثال فلما لم ينزجروا أضرب عنهم فقال