الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } * { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } * { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } أهنته أو أهلكته أو فضحته، واحتج أهل الوعيد بالآية مع قوله:يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } [التحريم: 8]. في أن من يدخل النار لا يكون مؤمناً ويخلد. قلنا: قال جابر: إخزاء المؤمن تأديبه وإن فوق ذلك لخزياً { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ } اللام إشارة إلى من يدخل النار والمراد الكفار { مِنْ أَنصَارٍ } من أعوان وشفعاء يشفعون لهم كما للمؤمنين { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً } تقول: سمعت رجلاً يقول كذا، فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف لم يكن منه بد وأن يقال سمعت كلام فلان. والمنادي هو الرسول عليه السلام أو القرآن { يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } لأجل الإيمان بالله، وفيه تفخيم لشأن المنادي إذ لا منادي أعظم من منادٍ ينادي للإيمان { أَنْ ءَامِنُواْ } بأن آمنوا أو أي آمنوا { بِرَبّكُمْ فَـئَامَنَّا } قال الشيخ أبو منصور رحمه الله: فيه دليل بطلان الاستثناء في الإيمان { رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } كبائرنا { وَكَفّرْ عَنَّا سَيّئَـٰتِنَا } صغائرنا { وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } مخصوصين بصحبتهم معدودين في جملتهم، والأبرار والمتمسكون بالسنة جمع «بر» أو «بار» كـ «رب» وأرباب وصاحب وأصحاب { رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } أي على تصديق رسلك، أو ما وعدتنا منزلاً على رسلك، أو على ألسنة رسلك، و «على» متعلق بـ «وعدتنا» والموعود هو الثواب أو النصرة على الأعداء. وإنما طلبوا إنجـاز ما وعد الله والله لا يخلف الميعاد لأن معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد، أو المراد اجعلنا ممن لهم الوعد إذ الوعد غير مبين لمن هو، أو المراد ثبتنا على ما يوصلنا إلى عدتك يؤيده قوله { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أو هو إظهار للخضوع والضراعة { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } هو مصدر بمعنى الوعد.

{ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } أي أجاب يقال استجاب له واستجابه { أَنّى } بأني { لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } «منكم» صفة لـ عامل { مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } بيان لـ «عامل» { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر كلكم بنو آدم، أو بعضكم من بعض في النصرة والدين، وهذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله به عباده العاملين. عن جعفر الصادق رضي الله عنه: من حزبه أمر فقال خمس مرات: «ربنا»، أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ الآيات. { فَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ } مبتدأ وهو تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهي المهاجرة عن أوطانهم فارين إلى الله بدينهم إلى حيث يأمنون عليه، فالهجرة كائنة في آخر الزمان كما كانت في أول الإسلام { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } التي ولدوا فيها ونشأوا { وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى } بالشتم والضرب ونهب المال يريد سبيل الدين { وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ } وغزوا المشركين واستشهدوا، «وقتّلوا»: مكي وشامي، «وقتلوا وقاتلوا» على التقديم والتأخير: حمزة وعلي.

السابقالتالي
2 3