الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ فَئَاتَٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا } أي النصرة والظفر والغنيمة { وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ } المغفرة والجنة. وخص بالحسن دلالة على فضله وتقدمه وأنه هو المعتد به عنده { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي هم محسنون والله يحبهم. { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ } يرجعوكم إلى الشرك { فَتَنقَلِبُواْ خَـٰسِرِينَ } قيل: هو عام في جميع الكفار وعلى المؤمنين أن يجانبوهم ولا يطيعوهم في شيء حتى لا يستجروهم إلى موافقتهم. وعن السدي: إن تستكينوا لأبي سفيان وأصحابه وتستأمنوهم يردوكم إلى دينهم. وقال علي رضي الله عنه: نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ } ناصركم فاستغنوا عن نصرة غيره { وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّـٰصِرِينَ * سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } «الرعب» شامي وعلي وهما لغتان. قيل: قذف الله في قلوب المشركين الخوف يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب ولهم القوة والغلبة { بِمَا أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ } بسبب إشراكهم أي كان السبب في إلقاء الله الرعب في قلوبهم إشراكهم به { مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } آلهة لم ينزل الله بإشراكها حجة، ولم يرد أن هناك حجة إلا أنها لم تنزل عليهم لأن الشرك لا يستقيم أن تقوم عليه حجـة، وإنما المراد نفي الحجة ونزولها جميعاً كقوله:
ولا ترى الضب بها ينجحر   
أي ليس بها ضب فينجحر، ولم يعن أن بها ضباً ولا ينجحر { وَمَأْوَاهُمُ } مرجعهم { ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّـٰلِمِينَ } النار فالمخصوص بالذم محذوف.

ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى المدينة قال ناس من أصحابه، من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فنزل { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } أي حقق { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } تقتلونهم قتلاً ذريعاً. وعن ابن عيسى: حسه أبطل حسه بالقتل { بِإِذْنِهِ } بأمره وعلمه { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } جبنتم { وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلأَمْرِ } أي اختلفتم { وَعَصَيْتُمْ } أمر نبيكم بترككم المركز واشتغالكم بالغنيمة { مِن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } من الظفر وقهر الكفار. ومتعلق «إذا» محذوف تقديره حتى إذا فشلتم منعكم نصره، وجاز أن يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } أي الغنيمة وهم الذين تركوا المركز لطلب الغنيمة. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أحداً خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا ـ كانت الدولة للمسلمين أو عليهم ـ فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا، والمسلمون على آثارهم يقتلونهم.

السابقالتالي
2 3 4