{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } وهو اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدراً فسمي به، أو ذكر بدراً بعد أحد للجمع بين الصبر والشكر. { وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ } لقلة العدد فإنهم كانوا ثلثمائة وبضعة عشر، وكان عدوهم زهاء ألف مقاتل والعدد، فإنهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم إلا فرس واحد، ومع عدوهم مائة فرس والشكة والشوكة. وجاء بجمع القلة وهو «أذلة» ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلاً «فاتّقوا اللّه» في الثبات مع رسوله { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } بتقواكم ما أنعم الله به عليكم من النصر { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ } ظرف لـ «نصركم» على أن يقول لهم ذلك يوم بدر أي نصركم الله وقت مقالتكم هذه، أو بدل ثانٍ من «إذ غدوت» على أن تقول لهم ذلك يوم أحد { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالاَفٍ مِّنَ ٱلْمَلَٰئِكَةِ مُنزَلِينَ } «منزّلين» شامي. «مُنزلِين» أبو حيوة أي للنصرة. ومعنى «ألن يكفيكم» إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة، وجيء بـ «لن» الذي هو لتأكيد النفي للإشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وشوكته كالآيسين من النصر { بَلَىٰ } إيجاب لما بعد« لن» أي يكفيكم الإمداد بهم فأوجب الكفاية. ثم قال { إِن تَصْبِرُواْ } على القتال { وَتَتَّقُواْ } خلاف الرسول عليه السلام { وَيَأْتُوكُمْ } يعني المشركين { مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } هو من فارت القدر إذا غلت فاستعير للسرعة ثم سميت بها الحالة التي لا ريث بها ولا تعريج على شيء من صاحبها فقيل «خرج من فوره» كما تقول «من ساعته لم يلبث» ومنه قول الكرخي «الأمر المطلق على الفور لا على التراخي» والمعنى إن يأتوكم من ساعتهم هذه { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالافٍ مِّنَ ٱلْمَلَٰـئِكَةِ } في حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم يعني أن الله تعالى يعجل نصرتكم وييسر فتحكم إن صبرتم واتقيتم { مُسَوِّمِينَ } بكسر الواو: مكي وأبو عمر وعاصم وسهل أي معلمين أنفسهم أو خيلهم بعلامة يعون بها في الحرب. والسومة العلامة. عن الضحاك: معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب وأذنابها. غيرهم: بفتح الواو أي معلمين. قال الكلبي: معلين بعمائم صفر مرخاة على اكتافهم، وكانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء فنزلت الملائكة كذلك. قال قتادة: نزلت ألفاً فصاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } الضمير يرجـع إلى الإمداد الذي دل عليه «أن يمدكم» { إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ } أي وما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلا بشارة لكم بأنكم تنصرون { وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } كما كانت السكينة لبني إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة لقلوبهم { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } لا من عند المقاتلة ولا من عند الملائكة ولكن ذلك مما يقوي به الله رجاء النصرة والطمع في الرحمة { ٱلْعَزِيزُ } الذي لا يغالب في أحكامه { ٱلْحَكِيمُ } الذي يعطي النصر لأوليائه ويبتليهم بجـهاد أعدائه.