الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ } أي أهل مكة { إِنَّا جَعَلْنَا } بلدهم { حَرَماً } ممنوعاً مصوناً { آمناً } يأمن داخله { وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } يستلبون قتلاً وسبياً { أَفَبِٱلْبَـٰطِلِ يُؤْمِنُونَ } أي أبالشيطان والأصنام { وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ } أي بمحمد عليه السلام والإسلام { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } بأن جعل له شريكاً { أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقّ } بنبوة محمد عليه السلام والكتاب { لَمَّا جَاءهُ } أي لم يتلعثموا في تكذيبه حين سمعوه { أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لّلْكَـٰفِرِينَ } هذا تقرير لثوائهم في جهنم لأن همزة الإنكار إذا أدخلت على النفي صار إيجاباً يعني ألا يثوون فيها وقد افتروا مثل هذا التكذيب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب؟ أو ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين حين اجترؤوا مثل هذه الجراءة؟ وذكر المثوى في مقابلة { لنبوئنهم } يؤيد قراءة الثاني { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ } أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول ليتناول كل ما تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين { فِينَا } في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصاً { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } { سبلنا } أبو عمرو أي لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقاً. وعن الداراني: والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا فقد قيل: من عمل بما علم وفق لما لا يعلم. وقيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم إنما هو لتقصيرنا فيما نعلم. وعن فضيل: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. وعن سهل: والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وعن ابن عطاء: جاهدوا في رضانا لنهدينهم الوصول إلى محل الرضوان. وعن ابن عباس: جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وعن الجنيد: جاهدوا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص، أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا، أو جاهدوا في طلبنا تحرياً لرضانا لنهدينهم سبل الوصول إلينا. { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } بالنصرة والمعونة في الدنيا وبالثواب والمغفرة في العقبى.