الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا } اختبرنا وهو موصول بـ { أحسب } أو بـ { لا يفتنون } { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } بأنواع الفتن فمنهم من يوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ومنهم من يمشط بأمشاط الحديد ما يصرفه ذلك عن دينه { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ } بالامتحان { ٱلَّذِينَ صَدَقُوا } في الإيمان { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ } فيه. ومعنى علمه تعالى وهو عالم بذلك فيما لم يزل أن يعلمه موجوداً عند وجوده كما علمه قبل وجوده أنه يوجد، والمعنى وليتميزن الصادق منهم من الكاذب. قال ابن عطاء: يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء، فمن شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين، ومن بطر في أيام الرخاء وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ } أي الشرك والمعاصي { أَن يَسْبِقُونَا } أي يفوتونا يعني أن الجزاء يلحقهم لا محالة، واشتمال صلة «أن» على مسند ومسند إليه سد مسد مفعولين كقولهأَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [البقرة: 214] ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر و «أم» منقطعة، ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأول لأن ذلك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه. وقالوا: الأول في المؤمنين وهذا في الكافرين { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } «ما» في موضع رفع على معنى ساء الحكم حكمهم، أو نصب على معنى ساء حكماً يحكمون، والمخصوص بالذم محذوف أي بئس حكماً يحكمونه حكمهم { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ٱللَّهِ } أي يأمل ثوابه أو يخاف حسابه فالرجاء يحتملها { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ } المضروب للثواب والعقاب { لأَتٍ } لا محالة فليبادر للعمل الصالح الذي يصدق رجاءه ويحقق أمله { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لما يقوله عباده { ٱلْعَلِيمُ } بما يفعلونه فلا يفوته شيء ما. وقال الزجاج: و «من» للشرط ويرتفع بالابتداء وجواب الشرط { فإن أجل الله لاۤت } كقولك «إن كان زيد في الدار فقد صدق الوعد»